المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الاثنين 20 تشرين الأول 2025 01:15:55
ليست هنا، بل هناك. هو لبنان الذي لا يمكن فصله عن سياق المنطقة بتحولاتها وتطوراتها ومفاوضاتها في الاتجاه نحو مسار جديد على مستوى العلاقات، وتحديداً مع إسرائيل. لكن أيضاً لا يمكن فصله عن مسار آخر في المنطقة وهو مسار إيران ومفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية حول ملفات كثيرة تتعلق بالعقوبات ورفعها، بالاتفاق النووي، الصواريخ البالستية ونفوذها في المنطقة ودور حلفائها. أبدى لبنان استعداداً للتفاوض مع إسرائيل، بغض النظر عن شكل هذا التفاوض مباشراً كان أم غير مباشر، تقنياً-عسكرياً، أم سياسياً. يبقى الأساس في النظرة الإسرائيلية وما تريده تل أبيب من وراء هذه المفاوضات. هي تريد التفاوض من موقع المنتصر الذي لا بد له أن يتقاضى أثمان انتصاره من هزيمة الآخرين.
تسريبات إسرائيل عن حزب الله
غير معروف بعد، الرد الإسرائيلي على كيفية التفاوض مع لبنان. سابقاً تبلغ لبنان رسائل كثيرة حول مفاوضات مباشرة لكنه رفض، بينما تل أبيب تصرّ دوماً من خلال ضغطها العسكري ورفع سقفها السياسي على جعل الجميع في موضع يشعرون فيه بأنهم جاؤوا متأخرين. لذا قد ترفع من شروطها أو تصعّد من عملياتها في معرض رفضها الدخول إلى مفاوضات وفق ما كان مطروحاً في السابق. ولذلك يسرّب الإسرائيليون يومياً تقاريرَ وأخباراً تفيد بأن حزب الله يعيد بناء قدراته العسكرية، وذلك للقول إن لبنان غير جدّي في مسار سحب السلاح، وإنه يريد التفاوض لكسب الوقت وتفادي التصعيد العسكري، فيما هي تواصل التهديد من خلال خطواتها العملانية ومناوراتها التدريبية التي تحاكي قتالاً في العمق اللبناني وفي بنى تحت أرضية.
مفاوضات واشنطن - طهران "شغاّلة"
لكن لبنان لا يرتبط فقط بالتفاوض مع إسرائيل، بل يرتبط أيضاً بالمفاوضات الإيرانية الأميركية، لأنه حتى لو جرى التوصل إلى تفاهمات فلا يمكن تطبيقها من دون موافقة حزب الله، ومن خلفه إيران. طهران تجد نفسها محكومة بمفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية تتعلق أيضاً بالنفوذ الإيراني في المنطقة. في هذا السياق، لا تزال قنوات التفاوض تعمل بين واشنطن وطهران عبر أكثر من قناة، أبرزها القناة العمانية، والقناة السويسرية. وعلى خط عمان، يتم الدخول في الجوانب السياسية والإقليمية. وأما في سويسرا فيغلب الطابع التقني حول المفتشين والمراقبين الدوليين.
قطر.. قناة ثالثة فاعلة
في السياق، تفيد مصادر ديبلوماسية بسعي أميركي لفتح قناة ثالثة من خلال دولة قطر، علماً أن الدوحة كانت تريد تجميد أي آلية تفاوضية بعد استهداف قاعدة العديد، وبعد الاعتداء الإسرائيلي على العاصمة القطرية. ولكن الولايات المتحدة تصر على إقناع قطر بلعب دور أساسي مع إيران، انطلاقاً من فعالية الدوحة على مستوى الوساطة والأدوار التي تلعبها، وآخرها الاتفاق بين باكستان وأفغانستان. وبحسب المعلومات، فإن الأميركيين مقتنعون بأن دخول قطر على خط التفاوض مع إيران سيمكِّن من التوصل إلى اتفاق.
تعقيدات الملف النووي
المؤكد، بحسب المعلومات، أن الإيرانيين يريدون خفض التصعيد على مستوى المنطقة. وهم يفضلون الوصول إلى تفاهم ينتج هدنة طويلة يتجنب أي مواجهة. الأميركيون بدورهم، يؤكدون أنهم مع خفض التصعيد، لكنهم يرون أن ذلك يتحقق بتنازل إيران في مجالات عديدة. أولاً، من خلال السماح بإدخال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وثانياً، بعدم إعادة بناء قدرات إيران لتخصيب اليورانيوم، خصوصاً بعدما تم استهداف معدات التخصيب. وفي المقابل، تصر إيران على استئناف التخصيب من دون بناء معدات وقدرات جديدة، بل باستخدام معدات جرى تصنيعها سابقاً. ويعرض الإيرانيون وضع هذه المعدات في غير الأماكن السابقة، وأن لا تكون مخفية تحت الأرض، ما يعني أن تبقى عملية التخصيب خاضعة لرقابة. بل يصل الإيرانيون إلى طرح التخصيب خارج إيران، مع الإصرار على الاحتفاظ بتقنية التخصيب.
الصواريخ والنفوذ الإقليمي
المسار الثاني يتعلق بالصواريخ البالستية التي تريد واشنطن من إيران التخلي عن هذا المشروع، بينما طهران ترفض ذلك كلياً وتعتبره استسلاماً. وهذا بالتحديد لا يزال موضوعاً شائكاً. أما المسار الثالث، فهو المتعلق بالنفوذ الإقليمي لإيران، إذ تصر الولايات المتحدة على التفاوض حول الملفات الإقليمية والساحات التي لا تزال إيران تتمتع فيها بنفوذ، ولا سيما ما يتعلق بالعراق، لبنان، واليمن.
إيران والمفاوضات "بالمفرق"
في اليمن، هناك تفاهم سعودي إيراني على خفض التصعيد ومواصلة البحث في صيغة لإنهاء حال الحرب وتكريس الاستقرار. وأما ملفا العراق ولبنان فسيمران بمرحلة انتقالية بالنسبة إلى طهران. وبحسب المعلومات، فإن إيران ستبدي استعداداً للتنازل في العراق ولبنان أكثر من السابق، ولكنها تشدد على الاتفاقات المرحلية وعدم الذهاب إلى اتفاق شامل، أي أن لا تكون كل الملفات خاضعة لمقايضة من ضمن سلة واحدة، وهي رفع العقوبات مقابل معالجة التخصيب والملف النووي والصواريخ البالستية، بل تفضل التفاوض في كل ملف لوحده.
"مفاوضات ممرحلة" في لبنان
وحتى في ما يتعلق بمناطق النفوذ، فإن إيران تسعى إلى البحث في كل منطقة على حدة. ففي لبنان مثلاً، المطلوب من الأميركيين هو تسليم سلاح حزب الله، بينما إيران تقسم التفاوض على مراحل: المرحلة الأولى كانت في اتخاذ القرار السياسي من جانب الحكومة اللبنانية بسحب السلاح. المرحلة الثانية، هي كيفية التعاون مع الجيش اللبناني لتطبيق آلية سحب السلاح والاستفادة من قوة حزب الله في المؤسسات العسكرية الرسمية للبنان والتي يربطها لبنان أيضاً بمسألة وقف الاعتداءات والضربات ووضع مسار واضح للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة.
أصوات إيرانية ترفض تسليم السلاح
أما المرحلة الثالثة فهي المستوى السياسي لترجمة هذا الاتفاق ولما سيكسبه الثنائي الشيعي في البنية السياسية، سواء ما يتعلق بالمكاسب السياسية، أو بتطبيق الطائف الذي يتحدث عن اعتماد قانون انتخابي قائم على الدوائر الكبرى أي المحافظات الخمس أو الست، وانشاء مجلس شيوخ وغيرها. ولا يحظى هذا الطرح، بحسب المعلومات، بموافقة كاملة في الداخل الإيراني. فهناك جهات لا تزال تعارض التنازل، وتعتبر أنه لا بد من الحفاظ على حلفاء إيران وقوتهم العسكرية، وهذه الجهات تعتبر أن تسليم السلاح والتخلي عن مشروع المقاومة هو استسلام.
الحشد الشعبي والاندماج الجديد
أما في العراق، فالمطروح هو دمج الحشد الشعبي ضمن القوات المسلحة العراقية، لتصبح تحت إمرة الدولة، ولا يكون هذا الدمج وفق القاعدة القديمة التي تحتفظ فيها فصائل الحشد بصلاحياتها وقراراتها المنفصلة، بل تصبح كل الفصائل مندمجة في الجيش وخاضعة لرئاسة الأركان وقراراتها وتوجيهاتها. وعليه، ففي موازاة انتظار ما سيحصل على خط المساعي الأميركية مع لبنان لانتاج تفاهم مع إسرائيل، لا بد من انتظار مسار التفاوض الإيراني الأميركي وما سينتجه على مستوى المنطقة.