اتفاق معراب: الخطأ والخطيئة

هلل المسيحيون في أواخر العام ٢٠١٦ لاتفاق معراب الذي عقدته القوتين المسيحيتين الاكثر تمثيلاً على اساس انه سيبلسم الجرح المسيحي الذي لم يندمل بعد والذي تسبب ببحر من الدم المسيحي والهجرة والاقصاء عن السلطة وعقود من الاحباط، اذ كان هذا الاتفاق بمثابة الحلم الذي سيعيد المسيحيين للاضطلاع بدورهم وحضورهم الوطني وسيعيد الثقة للمسيحيين بالدولة ومؤسساتها وسيرسي مصالحة حقيقية بين المسيحي من جهة وشركائه وبالوطن ككل من جهة أخرى.

الا ان حلم اتفاق معراب كان مجرد رؤية في منام وعندما استفاق المسيحيون من سكرتهم ايقنوا انه كان مجرد حلقة من حلقات التخبط والتكاذب والانهزام المسيحي.

فمن قراءة بنود وعناوين هذا الاتفاق يتبين انه تضمن جملة مسائل اهمها:

-تأييد الدكتور جعجع ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية.

-ارساء قاعدة تمثيل الاقوياء في طوائفهم.

-توزيع المقاعد الوزارية المسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية.

-وضع قانون انتخابي يراعي صحة التمثيل ويعتمد النسبية.

-توزيع الفئات الاولى والتعيينات والتشكيلات المتعلقة بالمسيحيين في الادارات والمؤسسات العامة بما فيها المراكز القيادية الاولى بالاتفاق بين التيار الوطني الحر والقوات.

-خوض الانتخابات النيابية سوياً.

-اتفاق كتلتي التيار والقوات النيابيتين على تأييد الرئيس عون ودعم مشاريعه المختلفة لا سيما المتعلقة بالمصالحة الوطنية والاصلاح ومكافحة الفساد وتعزيز الدور المسيحي وتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية.

 

وبالتالي، يتبين ان هذا الاتفاق شكل الخطأ والخطيئة في مضامينه وغاياته ومراميه.

فهو من جهة اولى حمل طابعاً اقصائياً سلطوياً هدفه استئثار القوات والتيار بمختلف الوزارات والمراكز الادارية ومواقع المسيحيين في السلطة واعتبارها مغانم لهما وحدهما.

ومن جهة ثانية بنيّ الاتفاق على سوء نية طرفيه عبر تنازعهما الضمني على موقع رئاسة الجمهورية لمرحلة ما بعد الرئيس عون بحيث كان يبيّت كل فريق سوء النية للآخر عبر دس عبارة "تمثيل الاقوى في طائفته".

ومن جهة ثالثة تضمن الاتفاق سلسلة خطوات من وضع قانون انتخابي الى تحالف انتخابي الى تعاون نيابي غايته محافظة الفريقين على مكاسبهما واستئثارهما بمواقع ومغانم السلطة.

ومن جهة رابعة انعدام وجود آليات تطبيقية للغايات المشار اليها في البند الاخير من الاتفاق، بحيث جاءت هذه الغايات لفظية وشعرية بعيدة عن الجدية.

ومن جهة خامسة انتفاء اية ضمانات تكفل تنفيذ الاتفاق او ترعى تنفيذه او حتى تفرض احترامه.

 

الخطأ والخطيئة في هذا الاتفاق ان فرقاءه طمعوا بتقاسم المغانم ومن ثم بتناهشها ولم يراعوا حقيقة حقوق المسيحيين وحضورهم الوطني، ولم يكترثوا حقيقة الى تحقيق الغايات الوطنية السامية المزعوم الاتفاق عليها.

وما ان وصل الرئيس عون الى سدة الرئاسة الاولى حتى تكشف خبث النوايا. وبغض النظر عمن يحمل المسؤولية الاكبر بالانقلاب على الاتفاق، انفجر الصراع بين الطرفين حول المكاسب والمغانم ودخل الفريقان المسيحيان "الاكثر تمثيلاً" بنزاع مرير اعاد الى الاذهان ذكريات الحروب المسيحية الاليمة السابقة.

ان اول من دفع اثمان هذا الاتفاق هم المسيحيون بالذات الذين عادوا الى التخبط والهجرة والاحباط.

فعلى من يدعي "التمثيل الاقوى " في الطائفة المسيحية ان يضع مكاسبه ومغانمه الخاصة والحزبية جانباً ويسعى الى اعادة الحضور المسيحي الفاعل في السلطة!

وعلى من يدعي "التمثيل الاقوى" للطائفة المسيحية ان ينبذ الأنا الحزبية وينبذ مقولة انه الاقوى ويسعى الى الأنا الجماعية من خلال جبهة تمثل جميع المسيحيين " الاقوياء والضعفاء" دون استثناء على غرار الجبهة اللبنانية وتوحدهم ضمن رؤية ومشروع واضحين!

الناس عموماً والمسيحيين خصوصاً سئموا حروبكم وصراعاتكم واحترقوا بالدم الذي اهرق في سبيل تعزيز هذا "التمثيل الاقوى للمسيحيين" وكفروا بالاحزاب والاديان وبلبنان وارضه ومياهه وسمائه.

ألم يحن الاوان لكي ترتدعوا وتعودوا الى لبنانيتكم ومسيحيتكم والاهم الى انسانيتكم رأفة بالضحايا والثكالى والارامل والجرحى والمفقودين والمكلومين والمهاجرين والمهجرين والمنبوذين والمبعدين ورأفة بالبلاد والعباد والتاريخ والجغرافية التي لن يبقى منها شيئاً بفعل هذا الصراع؟!