المصدر: المدن
الكاتب: لارا الهاشم
الأربعاء 3 كانون الاول 2025 17:44:19
كاد اجتماع لجنة "الميكانيزم" في رأس الناقورة أن يمرّ بشكلٍ روتيني كسابقاته، لو لم تُعلِن رئاسةُ الجمهوريّة عن تكليفٍ مدنيٍّ للمرّة الأولى، وهو السفيرُ السابق المحامي سيمون كرم، لرئاسة الوفد اللبناني إلى اجتماعات "اللجنة التقنية العسكرية للبنان". تزامنًا، أعلن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن إعطاء توجيهاتٍ بإرسال مندوبٍ إسرائيلي للقاء مسؤولين في لبنان، مضيفًا أنّ ذلك يأتي محاولةً أوليّة لوضع أساسٍ لعلاقةٍ وتعاونٍ اقتصاديٍّ بين إسرائيل ولبنان اللذين لا يزالان في حالةِ حربٍ رسميًّا.
إذًا، اللجنة التي يرأسها الجنرال الأميركي جوزف كليرفيلد، وتضمّ ضبّاطًا لبنانيّين وإسرائيليّين وممثّلًا عن "اليونيفيل" وفرنسا، إضافةً إلى الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، توسّعت اليوم لتضمّ المسؤول عن ملفّ السياسة الخارجيّة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رِسنيك، والسفير اللبناني سيمون كرم، في خطوةٍ ستُعطي أبعادًا جديدة لعمل اللجنة التي أُنشئت في الأساس لمراقبة تطبيق تفاهم وقف الأعمال العدائيّة.
تكليفٌ مدنيٌّ هو استكمالٌ لطرح بعبدا حول التفاوض
تتقاطَعُ المصادر على وصول رسائلَ إسرائيليّةٍ جدّيّةٍ خلال الأسابيع الماضية بالتصعيد داخل لبنان، وهو ما أكّد عليه اليوم رئيسُ الحكومة نواف سلام، مشيرًا إلى أنّ هذه الرسائل لم تكن مرتبطةً بِمُهَلٍ زمنيّة. وتقول معلومات "المدن" إنّ سيناريو التصعيد كان جاهزًا، لكن من دون تبلّغ لبنان بتوقيتٍ رسمي، وتضيف أنّ التصعيد، بطبيعة العلم العسكري، يعني توجيه ضرباتٍ قاسيةٍ تَعتبِر إسرائيل أنّها قادرةٌ من خلالها على تحقيق أهدافها.
استشعرت الدولةُ اللبنانيّة حقيقةَ هذه التهديدات التي كانت تترافق مع استمرار العدوان الإسرائيلي على مناطق لبنانيّة، واحتلال أراضٍ لبنانيّة، وخرق تفاهم وقف النار من الجانب الإسرائيلي، وهو ما دفع رئيسَ الجمهوريّة إلى فتح باب التفاوض أكثر من مرّة، لكن من دون أن يلمس أيَّ تجاوبٍ من الجانب الإسرائيلي، على الرغم من التواصل مع كلّ الأطراف المعنيّة، وبشكلٍ خاص مع الولايات المتحدة الأميركيّة، إلى أن وصل الجواب من الأميركيّين قبل أيّام بأنّ إسرائيل ستقوم بتكليف مدنيٍّ للمشاركة في اجتماعات اللجنة.
وعليه، بات لبنان أمام خيارين: إمّا الرفض وسقوط مبادرة الرئيس جوزاف عون حول التفاوض، وإمّا القبول وإيفادُ مدنيٍّ لتحديد الأمور التي سيتمّ التفاوضُ حولها. ومن هنا كان القرارُ اللبنانيّ بالموافقة بعد التشاور مع الرئيسين نواف سلام ونبيه برّي، تأكيدًا من لبنان أنّه لا يهوى الحرب. علمًا أنّ برّي سبق أن أبقى الباب مفتوحًا أمام إشراك مدنيّين، شرط أن يكون ذلك في إطار لجنة "الميكانيزم".
في المعلومات، أنّ التوجّهات الأساسيّة لاجتماعات اللجنة هي استكمال البحث في وقف الأعمال العدائيّة، والانسحاب الإسرائيلي، واستعادة الأسرى، إضافةً إلى مسألة الترسيم، كون تثبيت الحدود جزءًا من تفاهم وقف الأعمال العدائيّة الذي يرتكز إلى القرار 1701. علمًا أنّه، وفي اجتماع الأربعاء، لم يتمّ التطرّق إلى موضوع الأسرى أو ترسيم الحدود، وإنّما ما استحوذ على أهميّةٍ كبرى في النقاش هو معالجة سلاح "حزب الله" والهجمات الإسرائيليّة، بهدف إرساء استقرارٍ في المنطقة. وتشير المعطيات إلى أنّ كلام نتنياهو عن تعاونٍ اقتصادي لم يأتِ من فراغ، إذ إنّ مندوبَه أثار هذا الموضوع خلال الاجتماع، مع الإشارة إلى أنّ قرار إيفاد الجانبين اللبناني والإسرائيلي ممثّلين عنهما تمّ بمساعٍ أميركيّةٍ قادتها الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس.
خلاصة اجتماع رأس الناقورة
ترك اجتماع "الميكانيزم" انطباعًا إيجابيًّا لدى الحاضرين، لا سيّما وأنّه عُقِد وسط عاصفةٍ من التهديدات. بـ"الإيجابيّ جدًّا" تصفه المصادرُ اللبنانيّة لـ"المدن"، معتبرةً أنّه يمكن المراكمة عليه في المرحلة اللاحقة، لكن من دون الدخول في التفاصيل، إذ إنّ أيَّ إعلانٍ رسميٍّ عن النتائج هو اليوم في عهدة رئاسة اللجنة أو الرئاسة الأولى.
في هذا السياق، تقول مصادرُ سياسيّة إنّ الأولويّة بالنسبة إلى لبنان هي الهاجس الأمني، وبالتالي فإنّ تكليفَ شخصيّةٍ مدنيّةٍ سيساهم في ترتيب السياسة الأمنيّة للبلاد، وما سيقدّمه لبنان هو التأكيد على أنّ الدولة اليوم باتت مسؤولةً بقواها الذاتيّة عن الأمن على الحدود الجنوبيّة.
وتضيف المصادرُ أنّ تكليف شخصيّةٍ مدنيّةٍ برئاسة الوفد اللبناني سيمكّن الولايات المتحدة الأميركيّة من الضغط على إسرائيل لتهدئة الأمور.
أمّا اختيارُ السفير كرم بحدّ ذاتِه فله أيضًا دلالاتُه، كون الأخير يتمتّع بمروحةِ علاقاتٍ خارجيّةٍ واسعة، لا سيّما مع الجانب الأميركي، ما يمكّنه من تعزيز التواصل المباشر، وثانيًا لأنّ خبرتَه كرجلِ قانونٍ تخوّله البحث في الأطر القانونيّة التي قد ترعى أيَّ تفاوض.
حزب الله يترقّب
منذ إعلان الرئاسة الأولى عن توسعة اجتماعات لجنة "الميكانيزم" لتشمل مدنيّين، لم يصدر أيُّ موقفٍ رسميٍّ عن "حزب الله" تعليقًا على تكليف السفير سيمون كرم. لكن، في قراءةٍ أوليّة، تقول مصادرُ مطّلعةٌ على أجواء الحزب لـ"المدن" إنّ تكليفَ شخصيّةٍ مدنيّةٍ يبدو أنّه لا يتوافق مع رؤية "حزب الله" المُصرّ على مواقفه السابقة، إنْ كان من ورقة الموفد الأميركي توم باراك أو من المبادرة المصريّة.
فالمصادرُ تعتبر أنّ تطعيمَ اللجنة بمدنيّين يشكّل مزيدًا من الاستجابة للضغوط الإسرائيليّة والأميركيّة، في وقتٍ تواصل فيه إسرائيل خرقَها لاتفاق 27 تشرين الثاني 2024، الراعي لوقف الأعمال العدائيّة. وبالتالي، تتوجّس المصادرُ عينها من أمرين بمجرد تعزيز اللجنة بتمثيلٍ مدنيّ: من جهةٍ فتحُ باب التفاوض السياسي، ومن جهةٍ أخرى تعطيلُ التفاهم القائم، في حين أنّ "حزب الله" يقف ضدّ أيّ محاولةٍ للبحث عن اتفاقٍ جديد في الوقت الذي لم تلتزم فيه إسرائيل بما هو قائم.
وعليه، تسأل المصادرُ عن المقابل الذي قدّمه لبنان، وهل أنّ هذه الخطوة ستُقابَل بخطوةٍ إيجابيّة من قِبَل إسرائيل، وهل ستؤدّي فعلًا إلى وقف التصعيد والاعتداءات؟ من هنا، فإنّ تقويم "حزب الله" لهذا القرار قيد الدرس في ضوء كلّ الإجابات التي سيتلقّاها أو يرصدها. فهل يصدر موقفًا في الاتجاه نفسه الذي دعا فيه الدولةَ إلى تحمّل مسؤولياتها، أم سيقف في موقع المترقّب قبل اتّخاذ أيّ موقف؟
في أيّ حال، ليست المرّة الأولى التي يشارك فيها لبنان وإسرائيل في مفاوضاتٍ برعايةٍ غربيّة، وأيُّ تفاوضٍ اليوم سيتمّ برعايةٍ أميركيّة. لكن ما تبدّل اليوم هو أنّ المسار السياسيّ للشرق الأوسط قد تبدّل، وأنّ طموحاتِ إسرائيل اليوم تتخطّى حماية حدودها وصولًا إلى الحديث عن "إسرائيل الكبرى"، وهو أمرٌ يُقلِق شريحةً تعتبر أنّ الاستجابة للمطالب الأميركيّة هي مزيدٌ من الانصياع إلى الأطماع الإسرائيليّة، في حين تعتبر شريحةٌ أخرى أنّ العالم من حولنا قد تبدّل، وبالتالي لا يمكن للبنان أن يبقى معزولًا عن الواقع، بل عليه فتحُ باب التفاوض لئلّا يحترق. من هنا كان تأكيد بعبدا على أنّ تكليف السفير كرم تمّ انطلاقًا من التزام رئيس الجمهوريّة "بقسمه الدستوري، وعملًا بصلاحيّاته الدستوريّة من أجل الدفاع عن سيادة لبنان وسلامة أراضيه ومصالحه العليا".
انضمام كرم ورِسنيك يرسِّخ المسار المدني في "الميكانيزم"
وأعلنت السفارة الأميركية في بيروت أنّ كبار المسؤولين عقدوا الاجتماع الرابع عشر للجنة التقنية العسكرية للبنان "الميكانيزم" في الثالث من كانون الأوّل الجاري في الناقورة، بهدف تقييم الجهود الجارية للتوصّل إلى ترتيبٍ دائمٍ لوقف الأعمال العدائيّة في لبنان.
ولفت بيانُ السفارة إلى أنّه دعمًا لـ"السلام الدائم والازدهار المشترك لكلا الجانبين"، انضمّ السفير اللبناني السابق سيمون كرم، والمدير الأعلى للسياسة الخارجيّة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الدكتور يوري رِسنيك، إلى المستشارة مورغان أورتاغوس في اجتماع اليوم كمشاركين مدنيَّين، موضحًا أنّ انضمامهما "يعكس التزام الميكانيزم تسهيل المناقشات السياسيّة والعسكريّة بهدف تحقيق الأمن والاستقرار والسلام الدائم لجميع المجتمعات المتضرّرة من النزاع".
وأشار البيان إلى أنّ جميع الأطراف "رحّبت بالمشاركة الإضافيّة باعتبارها خطوةً مهمّةً نحو ضمان أن يكون عمل الميكانيزم مرتكزًا على حوارٍ مدنيٍّ مستدام، بالإضافة إلى الحوار العسكري".
وختمت السفارة بالتأكيد أنّ اللجنة "تتطلّع إلى العمل بشكلٍ وثيقٍ مع السفير كرم والدكتور رِسنيك في الجلسات المقبلة، وإلى دمج توصياتهما، فيما تواصل الميكانيزم تعزيز السلام الدائم على طول الحدود".