احتراق رسالة لودريان: فرنسا تبدّد أوراقها

تكاثرت الإعتراضات النيابية والسياسية على آلية التعاطي الفرنسي مع استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية. فجّرت الرسالة التي وجهها المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان، جان إيف لودريان، الكثير من المواقف المعترضة على هذا السلوك الفرنسي. وقد تجلى ذلك في مواقف نواب المعارضة، الذين أصدروا بياناً جامعاً فيما بينهم، حول رفض فكرة الحوار والتشاور، وحصر أي مبادرة لانتخاب رئيس، على أن يقود الرئيس المنتخب أي حوار في المستقبل، مع الإصرار على أن يكون الحوار مخصصاً للبحث في "نزع السلاح غير الشرعي". كذلك عبّر نواب آخرون عن سخطهم من طريقة التعاطي الفرنسية في توجيه رسالة مكتوبة تطلب تقديم أجوبة مكتوبة من قبل النواب. ما اعتبروه إهانة وتجاوزاً لكل الأعراف. فأعلنوا عن رفضهم تقديم الإجابات.

اعتراض المسار الفرنسي
في ظل اعتراض قوى المعارضة، ولا سيما القوات اللبنانية، حزب الكتائب، وبعض الكتل الأخرى للمشاركة في جلسات الحوار، لا يزال البحث يدور فيما بينهم حول تقديم أجوبة موحدة حيال المبادرة الفرنسية ككل، وإبلاغ اعتراضهم على كل المسار الفرنسي. وسط تساؤلات تطرح إذا ما كان هذا الموقف سيؤدي إلى إفشال المبادرة الفرنسية، أم قد يدفع لودريان إلى تعديل خطواته أو تأجيل زيارته، أو غض النظر عن فكرة عقد الحوار أو جلسات التشاور أو ورش العمل. إذ تعددت الاصطلاحات التي يتم اختيارها لما هو مطروح تجنباً لاعتماد كلمة حوار.

من بين الانتقادات التي تسجّل حول المسعى الفرنسي، هو أن باريس تحاول أن تتعاطى مع لبنان وكأنها إحدى جمعيات المجتمع المدني، من خلال إرسال أوراق تتضمن أسئلة وتحتاج إلى ملء استمارات. علماً أن المطلوب هو تقديم مسعى سياسي قادر على الوصول إلى تسوية بين القوى اللبنانية المتعارضة. في هذا التحرك هناك من يسجل تناقضاً في الأداء الفرنسي، تماماً كما كان التناقض قد طبع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت بعيد تفجير المرفأ. إذ ركز في زيارته على دعم الناس والمجتمع المدني وقوى الثورة، ولكنه في المقابل ذهب إلى عقد لقاءات وتفاهمات مع القوى السياسية، وتقدم بمبادرة يعتبرها المعارضون أنها أعادت إنتاج الطبقة السياسية بدلاً من محاصرتها، فيما يلقي الفرنسيون باللوم على اللبنانيين والناشطين الذين غرقوا في حساباتهم وخلافاتهم، من دون تقديم مشروع جدّي يمكن أن يشكل بديلاً عن القوى السياسية.

أعراف جديدة؟
الملفت في الرسالة أيضاً، هو كيفية انتقال المبادرة الفرنسية من البحث عن التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية والوصول إلى نتيجة، إلى محاولة وضع فروض نظرية وأكاديمية على النواب لا تمت للواقع بصلة. فيما يبقى أساس السؤال، إذا ما كان المسار الفرنسي لا يزال منسقاً مع دول الخماسية ويحظى بموافقتها، أم أن الطريق الفرنسية لا تزال منفصلة عن مساعي الدول الأخرى؟

من ضمن الملاحظات الأخرى التي يتم تسجيلها، تتعلق بالأسئلة التي طُرحت، وتبدو وكأنها محاولة لتخطي الدستور وفروضه وتكريس مبدأ الأعراف التي حاول الرئيسان السابقان ميشال عون وإميل لحود فرضها في تجاوز صلاحيات الحكومة ورئيسها. خصوصاً أن رئيس الجمهورية ليس لديه أي دور أو صلاحية تنفيذية، إنما هذه منوطة بمجلس الوزراء. بينما مطالبة النواب بتقديم اقتراحات حول برنامج عمل الرئيس وخطة عمله تعتبر تجاوزاً لصلاحيات الحكومة. وهذا تكريس لمحاولة فرض أعراف جديدة. وهذا يدفع الكثيرين إلى اعتبار وجود تطابق كامل بين فرنسا وطروحات حزب الله حول الضمانات وغيرها، والتساؤل عما إذا كان ذلك مقصوداً أم أنه جاء بمحض الصدفة.

لم يتم يوماً في لبنان انتخاب رئيس للجمهورية وفق معيار الكفاءة. وهناك استثناءان في هذا المجال، ربما، هما فؤاد شهاب والياس سركيس، فيما بقية الخيارات كانت سياسية وليست قائمة على مبدأ الكفاءة أو التكنوقراط. وهذا ما يفرض طرح السؤال حول إذا ما كانت فرنسا غريبة إلى هذا الحدّ عن الواقع اللبناني، ام أن ما تقوم به هو محاولة جديدة لتمرير الوقت بانتظار تغير أو توفر ظروف مؤاتية ومتلاقية مع مبادرتها ومسعاها، فيما لم يعد لديها أي حلّ، سوى الحفاظ على وجودها في المشهد السياسي اللبناني.