المصدر: الانباء الكويتية
الكاتب: أحمد منصور
الأربعاء 10 كانون الاول 2025 23:43:38
مرة جديدة يثبت لبنان، عبر مدنه العريقة، حضوره على الخريطة الحضارية والثقافية للعالم، بما تختزنه هذه المدن من تاريخ عميق يمتد عبر آلاف السنين، وما تحمله من شواهد حية على تعاقب حضارات وثقافات تركت بصماتها في المواقع والمعالم التي تحولت إلى مقصد للسياح والزوار ووجهة العالم. وقد شكلت مدن حوض البحر الأبيض المتوسط، ولاسيما المدن اللبنانية منها، جسورا حضارية أساسية في التواصل الإنساني، وفي بناء العلاقات بين الشعوب.
في هذا السياق، اختيرت مدينة صيدا (جنوب لبنان) عاصمة متوسطية للثقافة والحوار لسنة 2027، إلى جانب مدينة قرطبة الإسبانية، لتتشارك المدينتان موقعهما في مبادرة دولية تهدف إلى توسيع مفهوم الثقافة، ليصبح جزءا أصيلا من الديبلوماسية الثقافية وصناعة المدن.
وتحمل المبادرة اسم «Mediterranean Capitals of Culture and Dialogue»، وقد أطلقها الاتحاد من أجل المتوسط بالتعاون مع مؤسسة «آنا ليند للحوار بين الثقافات»، في إطار مشروع يهدف إلى تحويل مدن مختارة من حوض المتوسط إلى منصات حقيق للتبادل الثقافي والتنوع والتعاون العابر للحدود.
وقد أعلن عن اختيار صيدا خلال مشاركة وفد لبناني في اجتماعات الاتحاد التي عقدت في مدينة برشلونة في نوفمبر 2025، حيث قدم وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي هذا اللقب باعتباره أكثر من مجرد تكريم ثقافي، بل استعادة لدور صيدا كمدينة توازن وحوار، فهي «بوابة الجنوب» التي تتجسد فيها قيم الانفتاح والتعددية والعيش المشترك.
وكان لافتا هذا القرار اذ يحمل رسالة غير مباشرة إلى لبنان، مفادها أن البلد، على الرغم من أزماته وانهياراته، لم يستبعد من الخريطة الثقافية العالمية، وأن حضوره رصيد حي قابل للاستثمار في الحاضر والمستقبل.
وفي هذا الإطار، عبر راعي أبرشية صيدا المارونية المطران مارون العمار لـ«الأنباء»عن سعادته الغامرة بإعلان صيدا عاصمة للثقافة والحوار، معتبرا «أن هذا الاختيار يكرس موقع المدينة كواحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، حيث يتجاوز عمرها ستة آلاف سنة، ولاتزال نابضة بالحياة والحضارة». وأشار إلى «أن رمزية الاختيار، شرقا وغربا، عبر صيدا وقرطبة، تؤكد وحدة الرسالة الحضارية للمتوسط».
وأضاف العمار: «إن فرحة أبناء المدينة بهذا الإعلان كبيرة، لأنه يضع صيدا مجددا أمام أنظار العالم، بما تحمله من تراث حضاري وثقافي متجذر». وإذ لفت إلى «أن الإعلان تزامن مع زيارة قداسة البابا ليو الرابع عشر إلى لبنان 30 نوفمبر ـ 2 ديسمبر»، رأى في ذلك «رسالة دعم معنوية للبنانيين، وتأكيدا على الدور الفريد الذي يحملونه إلى العالم، كجسر للحوار والتلاقي بين الحضارات والأديان».
وأكد العمار «أن تاريخ صيدا، هو ملخص لرسالة لبنان، رسالة الحضارات المسيحية أو الإسلامية. فكل هذه الحضارات موجودة في صيدا، وفي قلب شعبها، الذي يمثل أفضل تمثيل هذه الحضارات عبر العيش المشترك الآمن والحاضر بين جميع أبناء المدينة».
وختم بالقول: «نحن كمسيحيين في صيدا نفتخر بهذا الحضور الموجود والمقدر والمحترم من كل الفعاليات، فنحن مع كل أهالي صيدا نحمل رسالة لبنان إلى كل العالم، وهذا الإعلان سيظهر الميزة التي تعيشها صيدا في كل ساعة وكل وقت».
من جهته، أكد النائب عبدالرحمن البزري «أن ملف ترشيح صيدا جرى العمل عليه بدقة لأكثر من سنة، بمشاركة فاعلة من القوى الحية في المدينة والمجتمع الأهلي والبلدية، قبل أن تتولاه وزارة الثقافة»، موضحا «أن صيدا مرت بمراحل اختيار متعددة بين مدن منافسة، وصولا إلى إدراجها ضمن اللائحة المصغرة، ثم اختيارها عاصمة لشرق المتوسط، فيما اختيرت قرطبة عاصمة لغربه».
وشدد البزري على «أن هذا الاختيار يشكل اعترافا بالإرث التاريخي والحضاري والثقافي الكبير الذي تملكه صيدا، باعتبارها من أعرق مدن لبنان والمتوسط، ومدينة ذابت فيها عبر العصور الفروقات والتمايزات، لتتحول إلى منبر حقيقي للحوار والعيش المشترك».
وأشار إلى «أن هذا اللقب يشكل جرعة دعم معنوية وثقافية وسياحية للمدينة في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، ورسالة أمل بإمكانية النهوض رغم الأزمات، مستندا إلى غنى الإرث الحضاري والثقافي للبنان وصيدا على وجه الخصوص. فصيدا مدينة فيها تعددية سياسية وتعدديات مختلفة، ولكن نستطيع أن نعمل معا لإنجاح هذا الملف، وهذه نقطة ونجمة ساطعة ليس فقط على صدر صيدا، بل على صدر لبنان».
وقال البزري:«صيدا مدينة لبنانية بامتياز، وهي عاصمة الجنوب، ونحن تاريخيا لطالما ربطنا أنفسنا بما يسمى بالمشروع العربي الكبير، لذلك ما يميز صيدا هو لبنانيتها ووطنيتها، وأنها عاصمة للجنوب إداريا وصحيا وتربويا وثقافيا وسياسيا، إضافة إلى أن صيدا معروفة تاريخيا بانتمائها العروبي، وهي من المدن التي كانت تدفع دائما باتجاه أن يكون لبنان داخل الصف العربي وفي مقدمته، وبالتالي أن يكون دوره فاعلا، هذا من الناحية السياسية».
وتابع البزري «أما من ناحية التوقيت، فلبنان اليوم يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وهناك رهان على دفع عدد من سكانه باتجاه الشمال، وهناك تهديد أحيانا من المحتل الإسرائيلي لمناطق جنوب الليطاني وجنوب الأولي. وقد جاء هذا الإعلان ليعطي جرعة أمل كبيرة، وبأنه حتى في ظل الظروف الصعبة، نحن قادرون على إنجاز ملفات تقنية وفنية، ونملك من الإرث الحضاري والثقافي ما يعطينا دعما معنويا كبيرا، نستطيع أن نراهن عليه في إعادة البناء». أما رئيس بلدية صيدا مصطفى حجازي، فأكد «أن المدينة تجسد تاريخا يمتد لأكثر من ستة آلاف سنة، وكانت ولاتزال مساحة مفتوحة على التعددية والانفتاح»، كاشفا عن «إعداد برنامج ثقافي متكامل بالتعاون مع مدينة قرطبة، يهدف إلى تعزيز التبادل الثقافي وإحياء الروابط التاريخية بين ضفتي المتوسط، في إطار التحضير الجاد لسنة 2027».