المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الاثنين 2 أيلول 2024 07:52:11
ينظر سياسيون بارتياب إلى ما يروج عن اعتزام استئناف سفراء الخماسية اجتماعاتهم ومساعيهم في الأيام المقبلة، على خلفية أن ما تتم صياغته بالنسبة إلى مفاوضات وقف النار في غزة ربما يحرر الوضع اللبناني من الربط الذي أحدثه "حزب الله" عبر الحرب من الجنوب.
حين أوقفت الخماسية اجتماعاتها كانت قد وصلت إلى طريق مسدود. والارتياب راهنا لا يتصل بقدرات السفراء أو بنيّاتهم، بل بالتطورات التي طرأت في الأشهر الأخيرة بدءا من المنحى الذي اتخذته الأمور في فرنسا بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وصولا إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومع أن فرنسا لا تزال ترغب في أن تكون محور الدينامية المتعلقة بالوضع في لبنان جنوبا ورئاسة، فإن الضعف الذي بات عليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الداخل قد لا يوفر له أوراقا قوية ضاغطة تساعده على تحقيق اختراق في الموضوع اللبناني.
وثمة من يرى في الحسابات الخاطئة التي حصلت في توقيت الدعوة إلى الانتخابات التشريعية، نموذجا لحسابات خاطئة في الملف اللبناني بدأت مع الخيار الرئاسي الذي دعمته على قاعدة عدم اعتقادها بأن للمملكة السعودية أي اهتمام يذكر بالوضع اللبناني، وصولا إلى ما يصفه البعض بإخلال الرئيس الفرنسي بالوعد الذي قطعه للبطريرك الماروني في أثناء دعوة الأخير إلى زيارته في قصر الإليزيه لجهة توسطه مع الثنائي الشيعي لتأمين انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة 14 حزيران من العام الماضي، والتي ساهمت باريس في إجهاضها مسبقا عبر تعيين جان إيف لودريان وسيطا في ملف الرئاسة قبل سبعة أيام من موعد هذه الجلسة.
وفي نيسان الماضي حين توجه لودريان إلى واشنطن بناء على اتصالات من الرئيس ماكرون بالرئيس جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، هدفت اللقاءات التي عقدها لودريان إلى إقناع واشنطن بترك هامش لباريس وعدم استئثار الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بملفي التهدئة في الجنوب والاتفاق الحدودي والملف الرئاسي. لا تملك باريس وحدها المفتاح، فيما كل الطموح هو لصفقة برعاية أو بوساطة من الولايات المتحدة أو بمشاركتها. وساعد الموقف الأخير الذي أعلنه المرشد الإيراني الذي أعطى الضوء الأخضر للتفاوض والحوار مع الولايات المتحدة في تثبيت المسعى لدى الثنائي الشيعي، على رغم كل الاتهامات والحملات على موقف الولايات المتحدة ودورها في دعم إسرائيل.
ويعتقد البعض أنه لو تقاطعت الجهود الفرنسية مع الجهود الأميركية التي بدت جادة جدا في مرحلة من المراحل من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، لكان الموضوع قد انتهى راهنا. وقياسا بالانشغال الأميركي والانتظارات لنتائج الانتخابات الرئاسية، من غير المرجح أن تكون الأمور واضحة وتؤدي إلى حل أزمة الرئاسة التي باتت أكثر اتصالا بمجموعة اعتبارات يختصرها مسؤولون معنيون بضرورة التمسك باتفاق الطائف، وعدم السماح بمقاربته بأي طريقة. والمغزى من ذلك أن الأمور لا تتعلق بـ"التقاط لحظة" ما ولم تعد تتعلق بذلك قطعا، علما أن التقاط اللحظة يراه البعض على عاتق الرئيس نبيه بري أكثر من غيره، بل يتعلق أكثر من أي وقت بالصفقة التي يسعى الثنائي الشيعي إلى إبرامها من أجل الإفراج عن الرئاسة، إنما من ضمن سلة متكاملة.
وليس صحيحا أن انتخاب رئيس "وطني"، وفق توصيف رئيس مجلس النواب نبيه بري ، يختصرها أو يلغيها. المؤشر من الخطاب الذي ألقاه الرئيس بري في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر التي تعد مناسبة لبنانية جامعة يمكن استغلالها للذهاب في هذا الاتجاه، فيما الخطاب راوح في الشروط نفسها، هو أن الأمور لم تنضج بعد من أجل الذهاب إلى انتخاب رئيس للجمهورية، وليست في يد بري للتحكم في المسار، بل هي في مكان آخر. فأبواب الصفقة لم تفتح بعد على رغم إعلان رئيس المجلس أن موضوع الانتخابات غير مرتبط بالحرب على غزة، لكنه كذلك فعلا، كما هو مرتبط بجملة أمور كانت مطروحة قبل بدء الحرب.
وفيما يتمتع بري بموقع المفاوض مع الجانب الأميركي في شكل خاص في موضوع التهدئة جنوبا بفعل تنازل الحكومة عن دورها في هذا الملف، فإنه يستمر في التمتع بموقع متقدم لا سيما مع رؤساء البعثات الأجنبية، إضافة إلى واقع أنه المتحدث باسم الحزب الذي يؤدي دورا حاسما وأساسيا في حرب الجنوب، بما يعطيه أفضلية إزاء ابتكار مبادرات أو تسويق أخرى. والنقطة الركيزة في هذا الإطار هي رسالته المتجددة حول تطبيق القرار 1701 والبيع والشراء على هذه الخلفية.