استحقاق محفوف بالمخاطر: خطة الجيش على المحك...

تتسارع الأحداث المفصلية في لبنان، وكان لشهر آب النصيب الأبرز منها؛ بين جلستي الخامس والسابع منه اللتين تضمنتا التصويت على حصرية السلاح، وإقرار أهداف الورقة الأميركية، وزيارات باراك التي لم تحقق المأمول، وصولًا إلى الاحتجاجات والمواقف الحادة من قيادة حزب الله، وختامًا كلمة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي شدّد فيها على أنّ الجيش خطّ أحمر ودرع الوطن، محذّرًا في الوقت نفسه من رمي كرة النار في يده.

ويطلّ شهر أيلول حاملاً في خامس أيامه جلسة حكومية مصيرية لمناقشة الخطة التي سيقدّمها الجيش اللبناني لحصر السلاح على كامل الأراضي اللبنانية. وبين التحذير والتحفيز، يقف الجيش أمام قرار تاريخي؛ فالتنفيذ محفوف بالمخاطر، والتراجع يعني سقوط إمكان ترميم هيبة الدولة. فكيف ستسير الأمور؟ وما دور الاتصالات التي تستمر من اليوم وحتى موعد الجلسة؟

 

التحضيرات للجلسة: مواقف وتحذيرات

سيناريوهات عدة تنتظر هذه الجلسة، ووفقًا لمعلومات صحيفة "المدن"، فإنّ الثنائي "أمل وحزب الله" سيحضر من خلال وزرائه، أولاً للاطلاع على الخطة، وثانيًا لتحذير الحكومة من أي خطوة غير محسوبة. فالذي وُضع في الواجهة اليوم هو الجيش، أي المؤسسة التي تحفظ استقرار الوطن.

كما أنّ القيادتين على تنسيق دائم بما يخصّ قضية حصرية السلاح. وقالت مصادر مقرّبة من الثنائي لـ"المدن" إنّ ما نبهنا منه قد حصل، وحين تنازلنا لإسرائيل زاد طمعها، وأميركا غير قادرة على لجمها. فبعد كل ما قدّمته الحكومة، لم تقدّم إسرائيل خطوة واحدة. وقرار الحكومة رُبط بموافقة الحكومتين الإسرائيلية والسورية. إسرائيل لم تعطِ جوابًا وتستمر في اعتداءاتها، والحكومة السورية لم تناقش الأمر بعد، وبالتالي الحكومة في حلّ منها أو على الأقل يجب تأجيل النقاش إلى حين وضوح خطوات إسرائيل العدوانية التي ترفض أن تقدّم أي أمر قبل سحب السلاح بالكامل من حزب الله.

وتشير المصادر إلى أنّ تأجيل الجلسة من الثلاثاء إلى الجمعة مبادرة إيجابية فتحت المجال لمزيد من التشاور، لكن على الدولة أن تتعقّل أكثر في مقاربتها للوضع، لأنّه بات واضحًا أنّ إسرائيل تطمح إلى احتلال لبنان وتنفيذ مشروع "إسرائيل الكبرى". وبدل أن تتم مناقشة استراتيجية دفاعية تحمي لبنان، جلّ اهتمام بعض القوى ينصبّ على تجريد المقاومة من سلاحها وافتعال إشكال داخلي لن يكون في صالح وحدة لبنان.

 

الترقّب يسود والعيون على المؤسسة العسكرية

في هذا الإطار، الترقّب سيّد الموقف والأنظار متجهة نحو المؤسسة العسكرية التي من المفترض أن تكون قد صاغت خطتها. مصادر عسكرية رفيعة أكّدت لـ"المدن" أنّ المشاورات داخل الجيش مستمرة لتمكينه من تنفيذ ما عليه، ولكن بشرط الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الداخلية.

وتقول المصادر: "سنحاول تنفيذ القرار ولن نحيد عن قرار القيادة السياسية، ولكن لن نسمح لهذا التنفيذ أن يجرّنا إلى أي مواجهة مع حزب الله والبيئة الشيعية عموماً، لأنّ الجيش يمثّل كل لبنان وتتمثّل فيه كل الطوائف. لكن هذا الأمر رهن بالتطورات السياسية، فإذا لم تراعِ السياسة حساسية الموقف ودور الجيش، وقرّرت إقحامه في خلاف كبير، فلن يكون بمأمن من الانقسام".

وهنا توقّفنا في حديثنا مع المصدر عند كلمة "انقسام"، فالمرة الأخيرة لهذا الأمر كانت في عام 1984 مع انتفاضة 6 شباط. وهنا يوضح المصدر العسكري أنّ هذا الأمر مستبعد للغاية لأنّ الجميع يدرك خطورته، ولكن أفترض أنّ هناك في الجيش من لا يريد الاصطدام مع مواطنين لبنانيين وتنفيذ قرار كهذا بقوة الفرض.

وأيضًا على الحزب أن يتعاون مع الجيش ومع الدولة لإيجاد مخرج مقبول يفضي في نهايته إلى حصرية السلاح، فهذا أمر لا مفر منه وختام الأمور لا بد أن توصل إليه.

 

التحديات اللوجستية ومهام الجيش المقبلة

ويضيف المصدر: "الجيش حاضر وجاهز وقوي ومتين، ولكن يتحمّل مسؤولية الأمن في العاصمة والشمال وكل مناطق لبنان، ويزيد من انتشاره في الجنوب. وبعد عام وأربعة أشهر عليه تسلّم مهام ومواقع قوات الطوارئ، لذا فالحاجة واضحة إلى تطويع عدد كبير من العسكريين ليتمكّن الجيش من أداء المهام الملقاة على عاتقه".

ويتابع: لا يوجد جيش في العالم تُلقى عليه كل هذه المهمات وعدده يساوي عدد عناصر جيشنا. الحكومة تعي هذا الأمر وتعمل لتداركه، ولكن الوقت ضيق والمهام متعددة".

وفي سياق الكلام، يلفت المصدر إلى أنّ علاقة الجيش بالمقاومة كانت جيدة جدًا وما زالت، ولكن الجميع يدرك أنّ الظروف تبدّلت وتحتاج تفهّمًا وتنازلاً من كل الأطراف.

 

وفي معرض الرد على سؤال حول قدرة الجيش الحالية على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية وثقة الشعب به، خصوصًا أنّ عددًا كبيرًا يرى في الجيش مؤسسة غير مجهّزة بالقدر الكافي لمواجهة كهذه، هنا يؤكد المصدر العسكري أنّ الجيش كعقيدة لا يمكن أن يتهاون أو يتنازل، وهو جاهز للرد في أي لحظة. أمّا عن الاحتياجات، فكثيرة وتقع على عاتق الدولة وعليها تأمينها في الفترة المقبلة.

 

السيناريوهات المحتملة للخطة

أما سيناريوهات الخطة، فالمؤكد أنّ قيادة الجيش تتكتّم وبشكل كبير على مضمونها لحساسية اللحظة وحتى يتم طرحها في مجلس الوزراء، ولمزيد من المباحثات والاتصالات في الأيام المقبلة. إلا أنّ السيناريوهات تتضمن الآتي:

السيناريو الأول: أن تطلب قيادة الجيش مهلاً إضافية لأنه لا يمكن لها أن تتسلّم كامل سلاح حزب الله وأسلحة المنظمات الأخرى في ثلاث أو أربع أشهر، مما سيعطي إمكانية أكبر لمعالجة الأوضاع عند الحدود الجنوبية، وبالتالي يكون الجيش قد تفلت من المهل الزمنية مع المحافظة على القرار.

السيناريو الثاني: أن يأخذ الجيش وقتًا أكثر، خصوصًا في منطقة جنوب الليطاني، ويسيطر فيها على المخازن كافةً وينتشر فيها بشكل كبير، ويحسم مسألة تواجد الحزب فيها، ويترك بقية المناطق إلى حين تبلور الأوضاع، خصوصًا مع تفلت إسرائيل من الاتفاق، علمًا أنّ الحزب يعلن أنّه تراجع كليًا من منطقة جنوب الليطاني، ولا مشكلة لديه في أي إجراء للجيش في تلك المنطقة.

السيناريو الثالث: البدء بتنفيذ الخطة وفق المهل وترك إمكانية الإنهاء مفتوحة ورهنًا بالتطورات السياسية والعسكرية ومعطيات الأرض، لأنّ أهالي القرى من المتوقع أن يسببوا بعض العوائق للجيش خلال تنفيذ المهمة، هذا عدا عن إمكان حصول تحركات في الشارع قد تتطوّر مع سريان تنفيذ الخطة وقد تأخذ طابعًا حزبيًا إذا عاد الثنائي ودعا للتحرك احتجاجًا على القرار الحكومي.

السيناريو الرابع: تقديم خطة تلتزم بالمواعيد بدقة، وهذا يعني أنّ مواجهة ما قادمة، وأنّ الدولة تنعى إمكانية أي توافق، فيما الجيش يطلب توافقًا سياسيًا يحميه من الشرذمة.

لكن المؤكد أنّ هناك خطة ستقدّم، وهناك محاولات لتدارك الموقف، وقد يكون الموقف الإسرائيلي سهّل المسألة على الحكومة، فالتفلّت من تنفيذ أي خطوة يجعل الحكومة على الأقل تتمهّل في المهل ويقيّد بقية الأطراف المطالبة بدقة المهل، ولكن يبقى أي سيناريو مفاجئ قيد التحقق، وهناك وقت ولو قصير متبقٍ للجلسة لن تهدأ فيه الاتصالات.

 

الجيش خط أحمر ووحدة لبنان على المحك

الكلمة الفصل كانت من رئيس البرلمان: "لا ترموا كرة النار للجيش"، أي لا تضعوا الجيش في واجهة الصراع، وتنبهوا لمخاطر إسرائيل. ولكن بري أكّد أيضًا أنّ المساس بالجيش "حرام"، وبقاءه موحدًا هو مصلحة الأطراف كل الأطراف.

إذاً، الجيش في الواجهة، يحاول تلقّف المخاطر وتنفيذ القرارات، ويبدو أنّ من في الخارج يطمح لزجّه في مواجهة مع حزب الله، لكن الجيش "أوعى" من الوقوع في الفخ، والحزب أيضًا يدرك أنّه في غنى عن هذه المواجهة، ولا يريد الرئيس عون أن يفتح هكذا صراع في عهده لكنه حريص على حصرية السلاح أيضًا.

ولكن هل من عاقل يتوقع أن ينتهي أمر كهذا في ثلاثة أشهر؟ المخيمات الفلسطينية كانت "بروفة" أوضحت صعوبة المهمة، فكيف بسلاح موجود في كل مكان في لبنان وعدده كبير ونوعيته مهمة؟ الثنائي صوّت على بيان وزاري حكم بحصرية السلاح ولا مانع عنده ولكن من خلال استراتيجية وليس من خلال الفرض.

الجيش درع الوطن، والمؤسسة التي تؤمّن سيادة البلد وسلامه الداخلي، ومن ينتظر المواجهة سينتظر كثيرًا دون جدوى، ومن يعتقد أنّ المرحلة تشبه سابقاتها مخطئ، المرحلة معقدة، والعنوان الوحدة، والخط الأحمر هو الجيش.

فهل تنجح القيادة السياسية في حفظ المؤسسة التي تؤمّن استمرارها؟ وهل تقتنع الأطراف كافةً أنّ ظروف المرحلة لا تشبه أي ظرف سابق؟ وأنّ ما يُرسم اليوم هو لبنان الجديد! فمتى تكتمل اللوحة؟ العين تبقى على الحدود الجنوبية، وعلى طاولة مستديرة تملك القرار.