المصدر: المدن
الكاتب: منير الربيع
الثلاثاء 5 تشرين الثاني 2024 02:08:53
في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ومن الذي سينتقل إلى البيت الأبيض، كثر في منطقة الشرق الأوسط لا يعوّلون على انتاج حلّ سريع للحرب الإسرائيلية القائمة والشاملة على دول عديدة، وسط مساع مستمرّة لتوسيعها لتشمل إيران. قراءات كثيرة ومتضاربة تتصل بانعكاس نتيجة الانتخابات على مسار الحرب. فهناك من يرى أن فوز كامالا هاريس، أي استمرار الإدارة الديمقراطية، يمكن أن يشكل عنصراً ضاغطاً بقوة على نتنياهو لإجباره على وقف الحرب أو تسريع نهايتها. لكن في المقابل، هناك وجهات نظر أخرى معارضة، تشير إلى أن هاريس ستنتهج نهج بايدن في استمرار دعم إسرائيل. كما أن الفترة المتبقية من وجود بايدن في البيت الأبيض يمكن أن يقدّم خلالها المزيد من الدعم لنتنياهو في مساره العسكري.
مركز النزاع العالمي
أيضاً، هناك وجهات نظر تعتبر أنه في حالة فوز ترامب، فإن نتنياهو سيجد أمامه فرصة ممنوحة لتصعيد عملياته العسكرية وتوسيعها في المنطقة، لتحقيق الأهداف التي يريدها، إما قبل وصول ترامب أو أن يتعذر الوصول إلى أي مسار تهدئة بشكل سريع بعد وصوله إلى البيت الأبيض، وذلك حسب الوقائع الميدانية التي سيفرضها نتنياهو. وهو الذي يريد أن يبقى الاهتمام الأميركي مركزاً على إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، ما يجبر الولايات المتحدة على الاستمرار في رعاية إسرائيل عسكرياً، سياسياً، وفي مسار اتفاقات التطبيع. أي أن تبقى إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط من حولها محط اهتمام استراتيجي أميركي بدلاً من التفرغ إلى الوضع الروسي- الأوكراني، أو مقارعة الصين. وجعل هذه المنطقة كميدان للنزال على النفوذ الاستراتيجي العالمي بين بكين وواشنطن.
لذلك، لا يمكن التعويل كثيراً على نتائج الانتخابات الأميركية مع شخصية مثل نتنياهو وحكومة مثل تلك القائمة في إسرائيل. ففي ذهن نتنياهو، الذي يتحدث دوماً عن مشروع شرق أوسط جديد وتغيير وجه المنطقة، أن المنطقة يجب أن تكون في صراع بين مشروعين أو ممرين. الممر الهندي الذي يربط الهند بأوروبا مروراً بدول الخليج وإسرائيل.. في مواجهة الممر الإيراني الذي يعبر من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق. هذا بمعزل عن الحسابات الأميركية لمواجهة "الممرات الصينية" ضمن مبادرة الحزام والطريق، خصوصاً أن واشنطن وصلت إلى قناعة بأن الصين لديها استراتيجية شرق أوسطية برزت في محطات عديدة مؤخراً، ما يشكل عناصر تهديد ومنافسة لواشنطن ومشروعها.
نتنياهو المندفع
ما يريده نتنياهو هو توفير كل ظروف الأمن والأمان للممر الهندي، من خلال فرض وقائع عسكرية، لا يمكن تحقيقها من دون انخراط مباشر للولايات المتحدة الأميركية، حتى الآن لا يزال متوفراً من خلال الدعم الكبير بالمال والسلاح، بالإضافة إلى الإعلانات المتكررة حول الالتزام الأميركي بأمن إسرائيل، وإرسال البوارج الحربية وحاملات الطائرات وقاذفات الـB52 والطائرات الحربية إلى المنطقة، في إطار سياسة ردع إيران أو حتى الانخراط في أي مواجهة إسرائيلية- إيرانية. كل ذلك يدفع نتنياهو إلى المضي في مشاريعه واستراتيجياته، ولا يوفّر أي ظرف لدفعه إلى التراجع بالاستناد إلى الضغوط السياسية أو المسارات الديبلوماسية.
فأميركا اليوم تفتقد لشخصية تحاكي شخصية جيمس بيكر، الذي وقف بوجه الإسرائيليين في تسعينيات القرن الفائت خلال حقبة أُطلق عليها مصطلح "الأرض مقابل السلام". في حينها رفض الإسرائيليون كل مسارات السلام، كما تمنّعوا عن تقديم أي تنازل، وسعوا إلى إفشال هذا المشروع الأميركي. ما دفع بالولايات المتحدة الأميركية إلى تجميد مبلغ 10 مليارات دولار لإسرائيل. وفي حينها، قطع بيكر التواصل مع الإسرائيليين وأبلغهم بأن رقم هاتف البيت الأبيض لديهم في حال قرروا التراجع والموافقة على المشروع. على الرغم من هذا الموقف، لم تنجح الولايات المتحدة في فرض ما تريده على إسرائيل، التي واصلت الانقلاب تلو الانقلاب. وهو ما سيكون قائماً اليوم في كل المسارات المطروحة.
مواصلة الحرب
أحد الأمثلة الحديثة حصل بين إسرائيل وروسيا. فبعيد الدخول الروسي إلى سوريا، كان لدى تل أبيب مطالب أساسية بإبعاد القوات الإيرانية لمسافة 80 كلم عن الحدود الجنوبية. أُبرم اتفاق بين تل أبيب وموسكو، وتعهد الروس في إبعاد الإيرانيين عن الحدود لمسافة 40 كلم، في مقابل عدم استهداف الإسرائيليين لمقرات أو منشآت مدنية او عسكرية تابعة للنظام السوري. وبعد تراجع الإيرانيين، رفض الإسرائيليون الالتزام، بحجة أن إيران لا تزال تمتلك وجوداً في الجنوب السوري عبر حلفاء محليين أو غير محليين لها. كما أن المسافة التي تراجعها الإيرانيون ليست كافية لأنه لديهم صواريخ تصيب عمق إسرائيل مع مديات تتجاوز الـ100 كلم. فواصلوا ضرب المواقع والمقرات والمراكز والمنشآت بما في ذلك المطارات العسكرية والمدنية.
مثال ثالث حصل مؤخراً مع الولايات المتحدة عندما تقدم الرئيس الأميركي جو بايدن بمقترح لوقف إطلاق النار في غزة، فانقلب عليه نتنياهو، كما رفض الالتزام بالقرار الدولي رقم 2735، ولا يزال يواصل الحرب ويوسعها لتطال إيران، في مقابل الحصول على المزيد من الدعم الأميركي.
مثال رابع حدث مع فرنسا، إذ بعد دعوات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للامتناع عن تسليم الأسلحة لإسرائيل، شن نتنياهو هجوماً عنيفاً على الرئيس الفرنسي، ما دفعه إلى إعادة التواصل معه وتأكيد الالتزام بأمن إسرائيل. كما عادت الشركات الإسرائيلية وشاركت في مؤتمر صناعي فرنسي بعدما كانت باريس قد رفضت مشاركة الشركات الإسرائيلية. وأخيراً، سُجل في الكونغرس الأميركي للمرّة الأولى في التاريخ رسالة بتوقيع عدد من الأعضاء موجهة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يحمّلونه فيها مسؤولية الإضرار بالمصالح القومية الأميركية في العالم من خلال الإضرار بأمن إسرائيل، أو من خلال عدم الوقوف إلى جانب إسرائيل والدفاع عنها كما يجب.
قطع الأوكسجين
كل هذه المواقف تأتي بسبب عدم موافقة فرنسا على المسار الإسرائيلي، ومحاولتها فرض تطبيق القرار 1701، والذي يعتبره نتنياهو بوضوح أنه غير كاف، وقال سابقاً إنه يحترم القرارات، ولكن الأهمية تكمن في تطبيقها وضمان هذا التطبيق. ليعود ويقول إن إسرائيل هي التي ستكون معنية بضمان أمنها. هذا مؤشر واضح على المسار الذي ينتهجه نتنياهو في رفض أي اتفاق ديبلوماسي وأي التزام بأي قرار دولي، وخصوصاً الـ1701. وعلى الرغم من تصريحات نتنياهو بأن هدفه هو إبعاد حزب الله من جنوب نهر الليطاني، وضمان عدم تسليحه مجدداً، فهو بعدها سينتقل إلى مرحلة جديدة، يدّعي فيها أنه يريد قصف أهداف ومخازن لحزب الله تحتوي على مسيّرات وصواريخ تطال العمق الإسرائيلي من مناطق بعيدة جداً عن جنوب الليطاني، وهو ما يفعله حالياً في البقاع أو غيره.
مثل هذا الأسلوب سيعتمده نتنياهو في لبنان كما اعتمده في سوريا سابقاً. وهدفه الأساسي هو قطع "الكوريدور الإيراني" وما يسمّيه قطع أوكسيجين حزب الله. ولتحقيق ذلك يحتاج إلى حرب طويلة وبعيدة المدى وإلى تغيير وقائع ليست عسكرية فقط بل سياسية وإقليمية.