اشتباك بين قاضيين ينسف التحقيق بملف رياض سلامة

دخل ملف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة في دوامة تعطيل طويل الأمد، على أثر دعوى تقدمت بها رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، طعناً بتصرفات قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، على أثر جلسة التحقيق التي عقدها الأخير في 2 أغسطس (آب) الحالي، وقرر فيها ترك الحاكم السابق رهن التحقيق بانتظار استكمال استجوابه.

المفارقة أن رئيسة هيئة القضايا التي تمثل الدولة اللبنانية وسبق لها أن ادعت باسم الدولة على سلامة ورفاقه بجرائم «الاختلاس والتزوير وتبييض الأموال»، هي نفسها ادعت على الدولة اللبنانية أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز المعطلة منذ سنة ونصف سنة، جراء إحالة أكثر من نصف أعضائها على التقاعد، وحالت الخلافات السياسية دون صدور مرسوم تعيين بدلاء عنهم، ما يعني أن الملف القضائي اللبناني العائد لسلامة سيتم تجميده إلى أشهر طويلة وربما سنوات، بانتظار إجراء تشكيلات قضائية جديدة، وهذه التشكيلات لن تبصر النور قبل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وانتظام عمل المؤسسات الدستورية.

وكان يفترض بالقاضي أبو سمرا أن يبدأ عند الحادية عشرة صباحاً باستجواب رجا سلامة شقيق رياض سلامة ومساعدة الأخير ماريان الحويك، وما إن شرع بفتح الاستجواب حتى حضرت المحامية بيرتا نعيم بوكالتها عن القاضية إسكندر، وتقدمت بمذكرة استفسرت عبرها عمّا إذا كان الحاكم السابق تبلّغ بموعد جلسة اليوم أم لا، وما إذا كان سيحضرها، ثم سلّمت قاضي التحقيق نسخة من دعوى تقدّمت بها نيابة عن رئيسة هيئة القضايا ضدّ الدولة اللبنانية ومخاصمتها أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، بسبب ما أسمته «الخطأ الجسيم» الذي ارتكبه (قاضي التحقيق) جراء ترك سلامة رهن التحقيق وعدم إصدار مذكرة توقيف بحقه، ما اضطر أبو سمرا إلى وقف الجلسة فوراً وإرجائها إلى 12 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، كما قرر إعادة الملف إلى الهيئة الاتهامية في بيروت؛ لكون الأخيرة حددت موعداً لاستجواب سلامة في 29 الشهر الحالي، بناء على المذكرة التي قدّمتها إسكندر يوم الجمعة الماضي، واستأنفت فيها قرار ترك الحاكم رهن التحقيق وطلبت استجوابه وإصدار مذكرة توقيف بحقّه.

وفاجأت خطوة رئيسة هيئة القضايا الأوساط القضائية، ورسمت علامات استفهام حول أبعادها، خصوصاً أنها تناقض توجّهات القاضية إسكندر وإصرارها الدائم على الإسراع في إنجاز هذا الملفّ، وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا الادعاء «قدّم خدمة مجانية لرياض سلامة، لكونه أدخل الملف في سبات عميق، أو ربما في موت سريري». وقال المصدر الذي رفض ذكر اسمه: «هذه الخطوة غير مفهومة، خصوصاً أن رئيسة هيئة القضايا تدرك أن هذه الدعوى قدّمت خدمة مجانية للحاكم السابق، وقطعت الطريق على إمكان إنهاء التحقيقات معه ومع شقيقه ومساعدته وإصدار القرار الظنّي في وقت قريب، لا سيما وأن أبو سمرا كان مستعجلاً إنجاز هذه المهمّة قبل إحالته على التقاعد منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وتحديد مصير سلامة والاتهامات التي سيوجهها له».

ورفض القاضي أبو سمرا الذي خرجت القضية من يده، التعليق على ما حصل لكون الدعوى جمدّت الملف إلى أجل غير مسمّى، واكتفى بالقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها المرة الأولى التي تدعي فيها الدولة على الدولة، وليس لدي أي تفسير لما جرى»، معتبراً أن ما حصل «رفع عنه عبئاً كبيراً، وسمح له بالتفرّغ لملفات أخرى عالقة في مكتبه». غير أن مصادر مقرّبة من أبو سمرا لفتت إلى أن «تجميد الملفّ القضائي اللبناني لرياض سلامة بانتظار قرار الهيئة العامة الذي لن يأتي قريباً، لا يحول دون متابعة أبو سمرا للاستنابات القضائية الأوروبية، وتبادل المعلومات مع الوفود الأوروبية التي تأتي في سياق التعاون بين الجانبين».