الأحادية القطبية… هل يكسرها لبنان؟

بعد الحرب العالمية الثانية، فقدت الدول الاستعمارية التقليدية (فرنسا وبريطانيا…) مكانتها وضعفت، وصعد نجم قوّتين دوليّتين جديدتين، هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفيتي، ونشب بينهما صراع عُرف بـ”الحرب الباردة”. غير أنّ هذا الصراع انتهى بتفكّك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفيتي سنة 1991، لتتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بحكم العالم دون أي منافس.

ومنذ ذلك الحين -وحتّى اليوم- تتربّع الولايات المتحدة الأميركية على عرش العالم، غير أنّنا نسمع بين تارة وأخرى عن كسر هذه الأحادية بثنائية الأقطاب تضمّ الولايات المتحدة إلى جانب روسيا، أو ثلاثية تضمّ هاتين الدولتين إلى جانب الصين…

فمتى يتحقّق كسر هذه الأحادية القطبية؟ وهل يكون لبنان أوّل من يسهم في كسرها؟

يعود اليوم من جديد الحديث عن حرب نووية محتملة، أو حرب عالمية ثالثة، أو حتى حرب اقتصادية عالميّة… لا سيما في ظل الصراع الروسي-الأوكراني، والحروب الأخيرة في الشرق الأوسط، والرسوم الجمركيّة كما العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على حلفائها قبل خصومها، من دول الاتحاد الأوروبي وكندا وصولًا إلى روسيا والصين وإيران وغيرها. ويأتي ذلك أيضًا في ظل تنامي القوة الاقتصادية والتكنولوجيّة للصين، والقوة النووية لكلٍّ من الهند وباكستان.

غير أنّ المتأمّل في مجريات الأحداث يرى أنّ لا مجال لحرب عالميّة أو صراع مفتوح، سيما أنّ الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تبسط سلطانها على السياسة والاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا. وما الأحداث الأخيرة التّي حصلت، إلا خير دليل على أنّ الولايات المتحدة ما زالت تفرض إيقاعها على العلاقات الدولية، حتى يبدو جليًّا أنّ النظام العالمي ما زال نظامًا أحاديَّ القطب، يدور في فلك الولايات المتحدة ويستجيب لإرادتها.

قد لا يروق هذا الحديث للبعض، ممن يعتبرون الولايات المتحدة الأمريكية قوّة “استكبارية، استعمارية، الشّيطان الأكبر” وغيرها من الأوصاف والمفردات، غير أنّ الحقيقة لا يمكن تزويرها؛ فالوقائع والدلائل تشير إلى أنّ الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ بأضخم ترسانة عسكرية، وبأوسع شبكة تحالفات. اقتصادها الأقوى، عملتها الأصعب (الدّولار)، ناهيك عن تقدمها التقني والثقافي والعلمي…

لذلك، فإن كسر الأحادية الأمريكية أقلّه في الأمد القريب، أمر بعيد المنال.

فلماذا على لبنان أن يحاول مواجهة قوة الولايات المتحدة الأمريكية، في حين أنّ دول العالم كلّها، حتى أكبرها، لم تستطع الصمود أمامها؟

اتقوا الله، لنخرج من صراع الأمم، فلبنان يريد السلام، ولبنان يريد تحقيق مصالحه…

فلنلتفت إلى وطننا، ولننخرط جميعًا في بناء لبنان الجديد… كما نريد!