المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
الأربعاء 12 تموز 2023 17:23:14
كتبت فرح منصور في المدن:
"في دولة القانون، من البديهي أن تسيطر حالة الخوف على المشتبه به في قضية ما، خلال جلسة استجوابه. فيتلعثم، ويرتبك، ويتهرب من بعض الأسئلة، خوفاً من إدانته وإثبات تورطه. هذه الأمور طبيعية وتحدث بشكل يومي داخل أروقة المحاكم وقاعات الاستجواب.
"لا أعلم"
في لبنان، الأمر الذي يجتذب اهتمامنا ويستدعي إعادة النظر في الكثير من القضايا، سياسياً وقضائياً، هو تهرب حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، من أسئلة استجوابه أمام القضاء اللبناني وتسلحه بعبارة "لا أعلم".
هذا الحاكم تحديداً، أكدت العصبة الحاكمة مراراً أنها غير قادرة على استبداله وعاجزة عن إيجاد أي رجل آخر لتولي منصبه. فهو صاحب الامتيازات والجوائز العالمية، الذي يتمتع بصلاحيات واسعة داخل المصرف المركزي، ومن الصعب التخلي عنه. وعلى ما يبدو، السلطة تجاهلت أن هذا الرجل الاستثنائي هو المسؤول الأول عن الانهيار الاقتصادي في لبنان بسبب سياساته النقدية، وهو المتهم بجرائم مالية في لبنان وأوروبا، ومتهم باختلاس المال العام من المصرف المركزي وصادرة بحقه مذكرات توقيف دولية.
في الواقع، ليس مستغرباً اعتراف الحاكم بعد 3 ساعات متواصلة من استجوابه بأنه يجهل بعض الأمور، ولا يملك أي إجابة عنها. عملياً عبارة "لا أعلم" هي وسيلته الأخيرة للتهرب من الأسئلة التي طرحت عليه خلال جلسة استجوابه في ملف الادعاء اللبناني، صباح اليوم الأربعاء، 12 تموز في قصر العدل ببيروت.
وفيما يتبقى للحاكم حولى 3 أسابيع قبل انتهاء ولايته، لا يزال القضاء اللبناني يسعى لـ"تلميع" صورة الحاكم أمام الرأي العام، عبر تسليط الأضواء على هدوء الحاكم وثقته وقدرته على الإجابة على مئات الأسئلة من دون تردد.
في الواقع، صار مكشوفاً اليوم أن هذه الصفات لم تكن متواجدة في الحاكم، ببساطة لأنه يخشى المثول أمام القضاء فيتجنب المساءلة. وبتفصيل أدق: يخشى أن ترصده عدسات الكاميرات، فيصر على تشديد الإجراءات الأمنية كي يتمكن من التحرك داخل قصر العدل من دون أن يعترض طريقه أي أحدٍ، ومن دون أن يتمكن أي مواطن من رصد تحركاته، فهو يرغب بأن تكون رحلته داخل قصر العدل في الظلام.
جلسة ثانية
جلسة استجوابه اليوم، حددت لشقيق الحاكم ومساعدته أيضاً. وكان لافتاً دخول رجا برفقة شقيقه إلى جلسة الاستجواب، مما يؤكد أنه لم يعد عاجزاً عن التحرك بسبب التهاباته الحادة الفجائية وعملياته الجراحية كما ادعى سابقاً أمام القضاء الفرنسي، حين تمنع عن حضور جلسته الفرنسية وطلب إرجاء الجلسة لمدة 3 أشهر كي يتعافى.
وما يجب ذكره أيضاً، هو حضور مساعدة الحاكم، ماريان الحويك، جلسة استجوابها. ووفقاً لما ذكر عن لسانها يوم أمس، أنها "ستمثل أمام القضاء اللبناني لأنها ترغب بانهاء هذا الملف بشكل نهائي".
ووفقاً لمصادر قضائية متابعة، فقد حدد أبو سمرا جلسة استجواب ثانية للحاكم وشقيقه ومساعدته يوم الثلاثاء المقبل، 18 تموز، لأنه لم يتمكن من استجواب شقيق الحاكم ومساعدته بسبب التحقيق مع الحاكم.
من دون جدوى؟
وكما كان متوقعاً، لم تصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق الحاكم، بل تُرك رهن التحقيق. واللافت اليوم هو رفض القاضي أبو سمرا طرح مجموعة من الأسئلة على سلامة، من قبل هيئة القضايا في وزارة العدل، معتبراً أن هذه الأسئلة "من دون جدوى".
وهنا يجب أن نؤكد أنها ليست المرة الأولى التي يرفض فيها أبو سمرا بعض الأسئلة، فخلال جلسات استجواب الحاكم أمام الوفود الأوروبية، رفض بعض الأسئلة التي طرحتهم القاضية الفرنسية أود بوروسي على سلامة.
وخلال ساعات الاستجواب، أبلغ أبو سمرا الحاكم برغبة القضاء الألماني بمداهمة المصرف المركزي، فطلب منه إبراز المستندات أمام القضاء الألماني. مما يعني أنه أبلغ الحاكم بأن القضاء الألماني يرغب باقتحام المصرف عنوةً. فتعهّد سلامة بتقديم بعض المستندات التي طُلبت منه سابقاً.
تقارير مفصلة
بدوره، حصل وفد القضاء الألماني على بعض المستندات التي طلبها سابقاً من الحاكم، فقاموا بتصوير بعضها على هواتفهم المحمولة. واللافت في هذه المستندات أنها تحمل اسم شركة ديلويت "Deloitte"، وهي من أهم الشركات الأجنبية التي تقوم بخدمات التدقيق والاستشارات المالية وتقييم المخاطر والضرائب للكثير من المؤسسات اللبنانية، وهي الموكل إليها مهمة التدقيق في حسابات وموازنات مصرف لبنان المركزي.
وكنا ذكرنا سابقاً أن اهتمامات القضاء الأوروبي وصلت إلى حد مطالبته بتقارير مفصلة تعود لحوالى 3 عقود، أي منذ بداية ولاية الحاكم. وحسب معلومات "المدن"، فقد حصل القضاء الألماني على تقارير مفصلة من بعض الشركات الأجنبية الموكل إليها التدقيق في مصرف لبنان المركزي لعام 2017، إلى جانب بعض المستندات المتعلقة بالمصارف، ومنها بنك الموارد.
هذا وقد أكد مصدر قضائي رفيع لـ"المدن" أن القاضي أبو سمرا لن يسمح للقضاء الأوروبي بالحصول على أي مستند يتعلق بملف الادعاء اللبناني، لأنه تعد واضح على السيادة، لذلك سيحافظ على سرية هذه المستندات حتى صدور قراره الظني.
ببساطة، تمسك القضاء الألماني بمطلب الحصول على المستندات والوثائق الموجودة داخل المصرف المركزي هو دليل واضح على أهمية هذه المستندات. وصار معلوماً اليوم أن القضاء اللبناني سيقيد مطالب القضاء الأوروبي، وسيحدد المستندات التي ستحصل عليها الوفود الأوروبية.