"الأصدقاء" تخلوا والمانحون الدوليون لا يموّلون: النازحون في العراء

التقديرات الأممية لعدد النازحين من مناطق الجنوب والبقاع تقدر بنحو 500 ألف مواطن لبناني، في وقت لا تقديرات رسمية لبنانية بعد. التقديرات المحلية محسوبة على أساس المسجلين في مراكز الإيواء والتي وصلت مساء أمس إلى نحو ثلاثين ألف نازح. ولم يتم تأمين أبسط الحاجات لهؤلاء النازحين، هذا قبل الحديث عن عشرات آلاف النازحين الذين لجأوا إلى أقاربهم ولم يسأل عنهم أحد بعد.

النازحون متروكون للقدر
حالياً تسيطر الفوضى في كيفية إيواء النازحين، الذين غصت بها الطرقات وبيوت أقاربهم في المنطقة الممتدة من صيدا جنوباً مروراً ببيروت والبقاع الشمالي وصلاً إلى الشمال. هذا ما رصدته "المدن" من خلال منشادات تلقتها من مواطنين.
والتحرك الرسمي لكيفية معالجة هذه المأساة ما زال دون المستوى المطلوب، هذا رغم وجود خطة طوارئ وطنية، كان يفترض أن تكون معدّة للتفعيل في حال حصول عدوان إسرائيلي. وهي خطة موضوعة منذ نحو سنة وتعدلت لتحاكي أكثر من سيناريو نزوح وصولاً إلى فرضية نزوح مليون شخص، كما حصل في العام 2006. وتتضمن الخطة آلية استجابة لتأمين المأوى، الطعام والشراب والصرف الصحي والدواء.

لكن رئيس اللجنة الوزير ناصر ياسين أقفل خطه بوجه المتصلين لمعرفة إذا كانت الخطة تفعلت فعلاً وإذا تم تأمين التمويل الدولي لخطة الطوارئ. فهو، ربما يكون محرجاً في شرح إذا كانت المنظمات الدولية المعنية (مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمانة العامة للأمم المتحدة) والمنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا قد بادروا بتأمين التمويل والمساعدات الإنسانية لمواجهة تحديات العدوان الإسرائيلي الحالي. فإلى حد كتابة هذه السطور، ما زالت مراكز الإيواء غير مجهزة لأبسط الشروط للإيواء، أي فراش وغطاء. علماً أنه في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي عقدت "لجنة الطوارئ اجتماعاً طارئاً حضره المنسق الأممي ريزا، وتفعّلت الخطة الوطنية.

العدوان كان مفاجئاً
في ظل التكتم الرسمي اللبناني عن الإشكاليات التي تحول دون تقديم المساعدات للنازحين، لفتت مصادر أممية مطلعة لـ"المدن" إلا أن العدوان الإسرائيلي ومدى توسعه كان مفاجئاً، وأربك الجميع. فالتصعيد العسكري لم يأتِ على مراحل لتفعيل خطة الطوارئ بشكل تدريجي ويتم تلبية الحاجات بشكل تصاعدي، بل حصل فجأة وشمل مناطق واسعة في البقاع، وهذا الأمر لم يكن في الحسبان.

ولفتت المصادر إلى أنه لا يكفي وضع خطة طوارئ بل الأمر بحاجة إلى تحريك فريق العمل والأموال لدى حصول الأمر الطارئ. وإلى حد الساعة لم يتم كتابة "النداء السريع" لتأمين التمويل من المانحين الدوليين لمساعدة لبنان.

وتضيف المصادر، في ظل الحديث عن أكثر من نصف مليون نازح بات الأمر أكبر من مجرد كتابة "نداء سريع"، كما يحصل عادة، بل الأمر بحاجة لخطة استجابة إنسانية عالمية، لتأمين التمويل لها.

الحاجة لخطة إنسانية عالمية
في انتظار اجتماعات المسؤولين عن المنظمات الإنسانية مع منسق الأمم المتحدة والممولين الأساسيين الاميركيين والأوروبيين، تسيطر الفوضى. لذا ربما يكون الوزير ياسين محرجاً لأنه لم يعرف كيف سيتم تنفيذ خطة الطوارئ وإذا كان سيتم تأمين التمويل الدولي لها. فبعد اجتماع ياسين مع المنسق ريزا أكد الأخير أن هناك حاجة فورية لنحو خمسين مليون دولار لتغطية النقص لإعداد مراكز الإيواء وتأمين الغذاء والحاجات الأساسية لنحو أسبوعين، وهناك حاجة لأكثر من 120 مليون دولار لتغطية الحاجات حتى نهاية العام الحالي، وفق ما أكدت المصادر. ولم يتم التحرك لمعرفة كيفية تأمين هذه الأموال.

وتضيف المصادر أن الدولة اللبنانية لم تعلن حالة طوارئ حرب بعد، وهذا معطوف على انشغال الدول والمنظمات الدولية في تنفيذ خطط الإخلاء لمواطنيها. وفي ظل الفوضى عملت العديد من المنظمات المحلية اللبنانية على سد بعض الثغرات. فحتى المنظمات المحلية والكبيرة منها ليس لديها تمويل خاص للعمل على تأمين الحاجات الضرورية للنازحين. لذا لجأت بعض الجمعيات إلى طلب تأمين تمويل ذاتي من خلال تبرعات على وسائل التواصل الاجتماعي أو من الخيّرين.

كيف يتم تأمين التمويل؟
وتلفت المصادر إلى إشكالية أساسية تتعلق بالتمويل لم يعرف مصيرها بعد. إذ لم يعرف إذا كان سيتم وضع خطة استجابة للبنان من الأمم المتحدة وتأمين تمويل خاص لها، أم سيصار إلى الطلب من المنظمات الدولية والمحلية إعادة تحويل أموال مرصودة لمشاريع أخرى لتصبح مخصصة لخطة الطوارئ الحكومية لإيواء النازحين. ففي الوقت الحالي لا يوجد أمول لدفعها فوراً للبنان كنوع من خطة استجابة إنسانية. وفي حال تقرر هكذا أمر، سيكون بحاجة للوقت لتنفيذه. والأخطر أن العدوان الإسرائيلي والنزوح غير المتوقع في أيام معدودة أتى في ظل شح عالمي في تمويل خطط الاستجابة الإنسانية. فالممولون الأساسيون الذين ينفقون على المساعدات الإنسانية العالمية هم الأميركيون، والإدارة الأميركية منشغلة حالياً في الانتخابات الرئاسية، وهذا معطوف على أن أميركيا تدعم إسرائيل. أما الممولون الآخرون فهم الإنكليز والأوروبيون. لكن يجب الأخذ بالاعتبار أن تمويل خطط الاستجابة في غزة والسودان استهلكت جزءاً من التمويل المخصص للمساعدات الإنسانية العالمية. والخطط التي وضعتها الأمم المتحدة لهاتين الدولتين لم تمول بأكثر من خمسين بالمئة من المطلوب.

وتضيف المصادر أن دولاً عربية وخليجية تغطي عادة نقص التمويل الأميركي والأوروبي للمساعدات الإنسانية. فهذه الدول لا تؤمن النقص، بل ترصد أموالاً تزيد عن كل أموال الدول. وثمة غياب تام لدول الخليج عن مساعدة لبنان في الوقت الحالي. فإلى حد الساعة لم تتحرك أي دولة خليجية لتبدي استعدادها للمساعدة بعد. فهل تتريث هذه الدولة في مساعدة لبنان لزيادة الضغط على حزب الله؟

وإلى حين وضع خطة استجابة للبنان ومحاولة تأمين تمويل دولي لها، ثمة أسئلة تتعلق بكيفية تنفيذ خطة الاستجابة ومن هي الجهات التي ستقوم بتنفيذها. أي من هي الجهة التي ستتولى التنسيق على الأرض. هل سيكون التنسيق بعهدة المفوضية السامية للاجئين، كما كان الوضع طوال العام المنصرم، أم سيتولى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الموضوع كما يفترض؟ هل سيتم تشكيل قطاعات جديدة للتنسيق ومن هي الجهات والوزرات المعنية في لبنان؟