الإبادة الجماعية في بوتشا... هل تضع المسؤولين الروس أمام المحكمة الدولية؟

صدمت صور الجرائم في بوتشا وإربين وموتيزين والعديد من الأماكن الأخرى في كييف وخاركيف، في اوكرانيا،البشرية جمعاء، وأظهرت الصورة السيئة لما تقترفه روسيا، ان صحت المشاهد المتناقلة حول المجازر . إلا أن صور الإبادة الجماعية" في بوتشا، كما وصفتها أوكرانيا، كانت الأقسى، حيث تمّ اكتشاف جثث لمدنيين بعد انسحاب القوات الروسية منها.

واتهم وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا عبر "تويتر"روسيا بارتكاب "مجزرة متعمّدة" مشيراً إلى أن "الروس يريدون القضاء على أكبر عدد ممكن من الأوكرانيين. يجب أن نوقفهم ونطردهم. أطالب بعقوبات جديدة مدمرة من مجموعة السبع حالًا".

من جهته كتب أحد مستشاري الرئاسة الأوكرانية ميخايلو بودولياك على "تويتر": "منطقة كييف. الجحيم في القرن الحادي والعشرين. جثث رجال ونساء قُتلوا وأياديهم مكبّلة. عادت أسوأ جرائم النازية إلى أوروبا. قامت روسيا بذلك بشكل متعمّد". وفي مدينة بوتشا في ضواحي كييف شاهد صحافي في وكالة" فرانس برس" جثث نحو عشرين رجلا أحدهم مصاب بجرح بالغ في الرأس في أحد الشوارع.

وقال أناتولي فيدوروك رئيس بلدية المدينة التي استعادها الأوكرانيون من القوات الروسية، لوكالة "فرانس برس": إن "كل هؤلاء الأشخاص أعدموا، قتلوا برصاصة في مؤخر الرأس". وأضاف: "دفنا حتى الآن في بوتشا 280 شخصا في مقابر جماعية لأنه كان من المستحيل دفنهم في مقابر المدينة الثلاث لكونها في مرمى نيران القوات الروسية".

ورغم نفي روسيا التورط في هذا الأمر، داعية لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي للبحث في تلك الاتهامات، عمّت موجة من الغضب العالم خاصة في اوروبا والولايات المتحدة، وتوالت الدعوات للتحقيق في الهجمات الروسية على مدنيين أوكرانيين باعتبارها "جرائم حرب" مع تزايد الأدلة على ارتكاب "أعمال مروّعة" في مدينتي إيربين وبوتشا. وسط كل ذلك برزت تساؤلات عمّأ إذا كان من الممكن ان توصل الرئيس فلاديمير بوتين او اي من المسؤولين الروس، الى المحكمة الجنائية الدولية بعدما طلب الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي انشاء آلية خاصة للتحقيق في الجرائم الروسية في اوكرانيا، علما ان المدعي العام في المحكمة كريم خان فتح منذ نحو شهر، تحقيقا في احتمال وقوع جرائم حرب، بناء على طلب السلطات هناك. لكن هل يكفي ذلك لتقديم المسؤولين الروس الى المحاكم الدولية، علما ان روسيا واوكرانيا ليستا عضوين في هذه المحكمة ولا تعترفان بها؟

السفير السابق في واشنطن رياض طبارة يؤكد لـ"المركزية" ان "الامر يحتاج الى وقت، أولاً كي تُثبت التهم، ومن ثم تتم المحاكمة ليصدر بعدها الحكم. هذا نظرياً، أما عملياً، فإن إلقاء القبض على رئيس جمهورية بلد ما ليس بالأمر السهل ولم تحصل في وقت سابق، كما أنه لا يحصل إلا في حال خسرت الدولة في الحرب، عندها يمكنهم الوصول الى رئيس الجمهورية وغيره من المسؤولين ومحاكمتهم في جرائم الحرب، كما حصل في الحرب العالمية الثانية في نورنبيرغ، او مع سلوبودان ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا. وبالتالي يتم على إثرها اعتقال الرئيس ومحاكمته. وهذا الأمر مستبعد جداً هنا، ولا أعتقد أن الرئيس الروسي سيسمح أن تصل الأمور إلى حدّ إلقاء القبض عليه ويعترف بهزيمته ويسمح لهم بالدخول إلى موسكو لاعتقاله، خاصة وأنه يملك القنابل الذرية التي تحميه ولا يمكن الوصول إليه، خوفاً من أن يستعملها ويمحو اوروبا ومعها العالم كله".

ويضيف طبارة: "أما الحالة الثانية التي يمكن من خلالها محاكمته هي حصول ثورة داخلية ضده في البلاد والإطاحة به من الحكم، عندها يمكن إحالته إلى محكمة دولية خاصة، لأن روسيا دولة تتمتع بسيادة وهي التي يفترض بها أن تحاكمه. نعم يمكن أن يتهموه ولكن وصوله الى المحاكمة صعب".

ويشير طبارة إلى أن "مجلس الأمن في هذه الحالة ينشئ محكمة خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب او لمحاكمة شخص وفي حالتنا هنا يمكن إنشاء محكمة، تنظر في القضية، كما حصل مثلاً مع جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولكن في هذه القضية، وبما أن بوتين رئيس جمهورية روسيا فلن يسمح لهم بذلك".

يذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تأسست سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء.