المصدر: نداء الوطن
الكاتب: ريشار حرفوش
الجمعة 8 آب 2025 07:10:00
لم يعد في جلسة مجلس الوزراء ما هو اعتياديّ. فبعد اجتماع دام أكثر من أربع ساعات، خرج وزير الإعلام بول مرقص ليعلن عن ما وصفه المبعوث الأميركي توم باراك بـ"القرار التاريخي والجريء".
ففي قصر بعبدا، وبحضور رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ووسط انسحاب وزراء الثنائي الشيعي والوزير فادي مكّي، وافق مجلس الوزراء اللبناني على إنهاء الوجود المسلّح على كامل الأراضي اللبنانية، بما فيه سلاح "حزب الله"، وعلى نشر الجيش اللبناني في المناطق الحدوديّة مع سوريا وإسرائيل، أي على أهداف ورقة برّاك.
مرقص، الذي تلا المقرّرات خارج القاعة بعد أن وُضعت اللمسات الأخيرة على القراءة النهائية، أشار إلى أنّ الحكومة وافقت كذلك على بدء مفاوضات غير مباشرة لترسيم الحدود مع إسرائيل، كما ترسيم الحدود مع سوريا، مشددًا على أنّ تطبيق جميع بنود ورقة براك يبقى مشروطًا بتنفيذ كلّ دولة للالتزامات المعنيّة بها.
مصادر مطّلعة أكدت أنّ رئيس الحكومة ومعه وزيرا الإعلام والعدل، أي مرقص وعادل نصّار، سعوا حتى اللحظات الأخيرة إلى ثني الوزراء المنسحبين عن قرارهم بالمغادرة. عُرضت صيغٌ متقدّمة، قُدّمت ضمانات، لكن شيئًا لم يُفلح. خرج الوزراء الشيعة من القاعة لكنهم لم يخرجوا من الحكومة، وهو ما أكّده وزير الإعلام عندما لفت إلى أنّ "انسحابهم لا يطرح مسألة الميثاقية، خصوصًا أنهم لا يزالون ملتزمين بالبيان الوزاري". وقد أكمل: "الجلسة بدأت بحضور وزراء من كلّ الأطياف، والميثاقية تُبحث عند تشكيل الحكومات فقط، لا في تفاصيل كل جلسة حكومية".
مصدر دستوري شدّد في حديث لـ"نداء الوطن" على أنّ الجلسة الحكومية الأخيرة لا تفتقد الميثاقية إطلاقًا، لأن هذه الأخيرة مرتبطة بالتوازن بين المكونين المسيحي والمسلم في عملية تشكيل الحكومات، لا بالتمثيل الكامل لكل طائفة في كلّ جلسة حكومية.
وقال المصدر: "من الثابت والأكيد أن الميثاقية تقوم على التوازن بين المسيحيين والمسلمين، استنادًا إلى ميثاق العام 1943، ولا تمتد بأي شكل من الأشكال إلى المذاهب ضمن الطائفة الواحدة، بالتالي، لا يمكن التذرّع بفقدان الميثاقية عند غياب مذهب من مذاهب أي طائفة، لأن هذا المنطق يؤدي حتمًا إلى شلّ الحياة السياسية وتعطيل عمل المؤسسات".
أضاف: "لا يجوز استخدام مفهوم الميثاقية، كذريعة لتعطيل العمل الحكومي، أو كأداة لاحتكار قرار طائفة أو مصادرته، كما يحصل أحيانًا مع الطائفة الشيعية، حيث يتم تصوير الغياب على أنه طعن بالميثاقية، وهو أمر غير صحيح دستوريًا ولا وطنيًا".
وشدّد المصدر على أنه لا يحق لمن قرر طوعًا الانسحاب من الجلسة أو الاستقالة من الحكومة، أن يتذرّع لاحقًا بفقدان الميثاقية. فمن يخرج بنفسه عن الإجماع الوطني، لا يمكنه أن يصادر قرار الأكثرية أو أن يفرض شللاً على الحياة السياسية، لأن ذلك يتناقض مع أبسط مبادئ الديمقراطية، فمبدأ الميثاقية لا يُفسّر انتقائيًا ولا يُستخدم لتعطيل الدولة".
ولعلّ أكثر ما كان لافتًا في ختام الجلسة، هو ارتفاع التصفيق من قبل الوزراء المتبقّين في القاعة، ممن عبّروا عن دعمهم الكامل لما أُقرّ. وحده الوزير مكّي انسحب إلى جانب وزراء الثنائي، فيما الباقون صفّقوا بحرارة بعدما أنهى مرقص تلاوة البيان أمام الوزراء قبل تلاوته من على منبر قاعة الإعلام، أي خارج قاعة الاجتماعات في قصر بعبدا، بحسب ما أفادت مصادر وزارية "نداء الوطن".
التصفيق هذا، وإن بدا تقليديًا، شكّل لحظة نادرة من الإجماع الوطني الجامع، بدا فيها أنّ الدولة اللبنانية قرّرت، ولو لمرة، أن تتخذ خطوة لا عودة عنها في اتجاه السيادة الفعلية.
برّاك، الذي لن يتأخر في زيارة لبنان في مهمّة دبلوماسية جديدة مطلع الاسبوع المقبل، كان أول المعلقين على الجلسة الحكومية، فغرّد قائلًا: "نهنئ رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيس الحكومة نواف سلام، ومجلس الوزراء، على اتخاذ القرار التاريخي والجريء والصائب هذا الأسبوع، بالبدء في تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني 2024، وقرار مجلس الأمن 1701، واتفاق الطائف".
وأردف برّاك: "قرارات مجلس الوزراء هذا الأسبوع وضعت أخيرًا موضع التنفيذ حلّ للبنان. نحن نقف إلى جانب الشعب اللبناني".
بعيدًا من الدلالات المحليّة والإقليمية التي ستُبنى على هذا القرار، لا يمكن تجاهل الخلفية الأمنية التي تشهدها البلاد منذ أسابيع. فمنذ لحظة بداية الدفع في اتجاه تنفيذ القرار 1701، تعرّض عدد من الشخصيات السيادية، التي ارتبط اسمها بثورة الأرز أو بالمطالبة بنزع سلاح "حزب الله"، لموجات ترهيب واضحة. الحديث في الكواليس لا يتوقف عن عودة شبح الاغتيالات السياسية.
فالاغتيالات، في تاريخ لبنان الحديث، كانت دومًا أداةً لإيقاف "المومنتوم" السيادي، من محاولة اغتيال مروان حمادة إلى اغتيال رفيق الحريري وسمير قصير وجبران تويني وبيار الجميّل ووسام عيد ووسام الحسن، وغيرها من المحطات الدامية.
وحدها رصاصة واحدة كانت تكفي لإعادة عقارب الزمن إلى الوراء، نحو وصايةٍ لا تموت، فهل تكون هذه الورقة الدموية، فعلًا، هي ما تبقّى قبل أن تنكفئ منظومة اللادولة إلى موتها الرحيم؟