المصدر: نداء الوطن
الكاتب: جو رحال
السبت 19 نيسان 2025 07:05:14
منذ عام 2019، يعيش لبنان أزمة مالية غير مسبوقة، جعلت من إصلاح القطاع المصرفي ورفع السرية المصرفية محورين أساسيين لأي مسار نحو التعافي الاقتصادي.
فالنظام المصرفي، الذي كان يشكّل دعامة للاستقرار المالي، انهار نتيجة التداخل بين الفساد السياسي، السياسات النقدية غير المستدامة، وانكشاف المصارف بشكل مفرط على الدين العام.
على مستوى الإجراءات الحالية، أقرت الحكومة اللبنانية خطة أولية لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، تنص على تصنيف المصارف بحسب قدرتها على الاستمرار، ومعالجة المصارف غير القادرة من خلال الدمج أو التصفية.
كذلك، تم تعديل قانون السرية المصرفية عام 2022 (القانون رقم 306)، ما سمح برفع السرية في حالات محددة أمام القضاء والجهات الرقابية والضريبية، في خطوة نحو تعزيز الشفافية ومكافحة التهرب الضريبي والفساد المالي.
لكن حتى اللحظة، تبقى هذه الخطوات غير كافية ما دامت تفتقر إلى التنفيذ الجاد والآليات المؤسسية.
لم تُحدد بعد المعايير الدقيقة لتوزيع الخسائر بين الدولة والمصارف والمودعين، ولم تُطلق بعد هيئة مستقلة للإشراف على عملية إعادة الهيكلة.
أما تطبيق قانون السرية المصرفية المعدّل، فلا يزال متعثراً، نتيجة غياب تعاون فعلي بين المؤسسات وتباطؤ في تنفيذ قرارات رفع السرية من قبل بعض المصارف.
الارتباط بمفاوضات صندوق النقد الدولي أساسي.
منذ توقيع الاتفاق المبدئي في نيسان 2022، وضع صندوق النقد شروطاً واضحة لتقديم الدعم المالي، تتضمّن إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي، توحيد أسعار الصرف، إقرار قانون الكابيتال كونترول، وتعزيز الحوكمة. ومع أن لبنان أحرز تقدماً تشريعياً جزئياً، إلا أن تعثّر التنفيذ يُبقي المفاوضات في حالة جمود.
الخطوات المستقبلية تتطلب أولاً وضوحاً سياسياً والتزاماً شاملاً.
على الحكومة أن تُطلق خطة مفصلة لتوزيع الخسائر، تضمن حماية صغار المودعين وتحميل الجزء الأكبر من الخسائر لأصحاب المصارف والمستفيدين من الفوائد الاستثنائية. كما أن استقلال القضاء المالي وتعزيز دور هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، سيكونان عاملين حاسمين لتفعيل قانون السرية المصرفية ومنع الإفلات من المحاسبة.
إن إصلاح القطاع المصرفي ورفع السرية المصرفية ليسا فقط مسألتين تقنيتين، بل اختبار لإرادة الدولة في كسر المنظومة القائمة وإعادة إنتاج النظام المالي على أسس الشفافية والعدالة. نجاح هذا المسار يفتح الباب أمام الثقة الدولية والداخلية، واستقطاب المساعدات والاستثمارات، والتمهيد لبناء اقتصاد منتج ومستدام.