"الاتفاق" يعيد جنوب الليطاني إلى عهدة "الشرعيتين"

سابق ألوف اللبنانيين موعد الرابعة من فجر أمس 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024 الذي دخل سجل نهايات الحروب في لبنان، فاستعادوا في قوافل عودتهم إلى مناطق الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع الشمالي مشهد نهاية حرب تموز (يوليو) 2006 ولو بتعديل أشد قسوة وصدمة في ظل انكشاف المشهد الكارثي لدمار لا مثيل له في تاريخ الاجتياحات والحروب التي شهدها لبنان.

وشكل تجاهل العائدين إلى بلداتهم وقراهم لكل التحذيرات التي طالبتهم بالتريث في العودة في انتظار تسهيل ظروف العودة وتنفيذ المراحل الأولى من اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل الذي بالكاد اكتملت مراسم إعلانه، مشهداً مثيراً للانطباعات الانفعالية حيال الصدمة الكبرى التي واجهها العائدون أمام عشرات ألوف المباني والمنازل المدمرة والركام الهائل، فيما كانت التساؤلات والشكوك تزاحم الآمال التي استولدتها نهاية الحرب “مبدئياً” بعد شهرين وثلاثة أيام من اشتعالها. حتى إن عائدين اتجهوا إلى نصب خيم فوق ركام منازلهم المهدمة.

فغداة إعلان الرعاية الأميركية – الفرنسية المشتركة لاتفاق وقف النار وفي ظل بدء المرحلة الأولى من توسيع انتشار الجيش اللبناني في جنوب الليطاني، وعلى رغم استمرار تمركز القوات الإسرائيلية في عدد من قرى الحافة الحدودية، برزت المعالم الأساسية للاتفاق في جملة حقائق أبرزها أنه أعاد الاعتبار إلى الشرعيتين اللبنانية والدولية في جنوب الليطاني بحيث يفترض انسحاب “حزب الله” انسحاباً كاملاً بمقاتليه وسلاحه فيما ينتشر الجيش وقوة “اليونيفيل” ومن ثم ينجز الانسحاب الإسرائيلي كاملاً في مهلة الـ60 يوماً. كما أن الاتفاق يعيد الاعتبار كاملاً لكل منطوق القرار 1701 وتفكيك كل البنى التسليحية ومنع التسليح عبر الحدود فضلاً عن التمهيد لإطلاق مفاوضات تسوية الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

وإذا كان كل من إسرائيل و”حزب الله” يفسران بعض البنود كل لمصلحته، فإن الحقيقة الأساسية تتمثل في أن الاتفاق يرمي ثقلاً مصيرياً وأساسياً على عاتق الدولة والسلطات اللبنانية، بعدما انتصر لشرعيتها وثبّتها كما في القرارات الدولية تماماً، لجهة التزامها الحاسم في منع إعادة “حزب الله” من التفرد بمغامرات تزج بلبنان في أتون حروب ساحقة. إذ ان التساهل في “شمال الليطاني” إذا استعاد نمطه السابق يعني عودة المخاطرة بمصير لبنان، علماً أن مؤشرات سلبية واكبت عودة النازحين أمس في احتفالات “نصر مزعوم” أقامها مناصرو الحزب وأُطلق خلالها الرصاص الابتهاجي الذي أصاب بعضه شباناً نقلوا إلى المستشفيات، في ظل تساؤلات عن أي نصر هذا مع استشهاد ما يناهز 4000 شخص و16 ألف جريح وآلاف المنازل المهدمة والاقتصاد المدمر.

نشر الجيش

وواكب مشهد قوافل العائدين إعلان قيادة الجيش أن الجيش باشر تعزيز انتشاره في قطاع جنوب الليطاني وبسط سلطة الدولة بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (اليونيفيل) استنادًا إلى التزام الحكومة اللبنانية تنفيذ القرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن بمندرجاته كافة والالتزامات ذات الصلة لا سيما ما يتعلق بتعزيز انتشار الجيش والقوى الأمنية كافة في منطقة جنوب الليطاني. وفي هذا السياق، تُجري الوحدات العسكرية المعنيّة عملية انتقال من مناطق عدة إلى قطاع جنوب الليطاني، حيث ستتمركز في المواقع المحددة لها.

وأُفيد بعد الظهر أن القوات الإسرائيلية في بلدة الخيام أطلقت النار على مجموعة من الصحافيين ما ادى إلى إصابة اثنين بجروح مختلفة، كما أن الجيش الإسرائيلي أعلن “حظر التجول على سكان جنوب لبنان المتوجهين إلى جنوب نهر الليطاني”، فيما أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن “الجيش اعتقل 4 من عناصر “حزب الله” منهم قائد محلي بعد أن دخلوا منطقة محظورة”.

واعتبر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي أن “القتال في لبنان كان حازماً للغاية، لكن فرض الاتفاق سيكون أكثر حزماً وفقاً للقواعد التي تمت الموافقة عليها بالأمس من قبل وزير الدفاع، ورئيس الوزراء، ومن قبل المجلس الأمني المصغر”. وقال: “عناصر حزب الله الذين سيقتربون إلى قواتنا، والى منطقة الحدود، والى القرى الواقعة في المنطقة التي حددناها – سيستهدفون”.

واكمل مجلس الوزراء اللبناني اجراءات الموافقة على الاتفاق في جلسة عقدها أمس بحضور قائد الجيش العماد جوزف عون. وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن “الحكومة ملتزمة بتحقيق الاستقرار على الخط الأزرق”، مؤكداً “اننا نعيش لحظات استثنائية، والمسؤولية كبرى علينا جميعاً، وعلى الجميع التكاتف للإصلاح وبناء الدولة وإعادة ثقة العالم بنا”. ولفت إلى أننا “ملتزمون بتطبيق القرار 1701 وتعزيز حضور الجيش في جنوب لبنان”، مطالباً “إسرائيل بالانسحاب من كل المناطق التي احتلتها”.

وبدوره وجه رئيس مجلس النواب نبيه بري كلمة إعتبر فيها “أن لبنان تمكّن من إحباط مفاعيل الإعتداء الإسرائيلي والبدء بمرحلة جديدة بعد الاتفاق”. وقال: “إنها لحظة الحقيقة وليست لمحاكمة مرحلة ولا للقفز فوق الجراح ولا للرقص عليها. هذه لحظة امتحان لكل اللبنانيين وللشيعي قبل أي لبناني اخر. ولا بد في هذه اللحظة من الاسراع في انتخاب رئيس جمهورية يجمع ولا يفرق ولا يشكل تحدياً لأحد” ودعا “كل أهلنا النازحين الذين قاوموا المخرز صموداً في كل مناطقنا والدول الشقيقة التي استضافتهم إلى العودة”.