المصدر: النهار
الكاتب: جيرار ديب
الجمعة 21 شباط 2025 13:33:27
منعت السلطات اللبنانية، مساء الخميس 13 شباط الجاري، طائرة إيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي. وذلك بعد ساعات من توجيه إسرائيل إنذاراً بقصف المطار، بعد سلسلة من الاتهامات لإيران و"حزب الله" بتهريب الأسلحة والأموال عبره.
بالتوازي اتّهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، الجمعة 14 شباط الجاري، إسرائيل بالوقوف خلف إلغاء لبنان استقبال رحلتين جويتين قادمتين من طهران. ودعا الرجل في بيان مقتضب "المنظمات الدولية المعنية، ومنها منظمة الملاحة الجوية الدولية، إلى تحرّك عاجل لوقف السلوك الإسرائيلي الخطير ضد أمن الملاحة المدنية التي تنتهك السيادة اللبنانية".
يدرك بقائي أن المنظمات الدولية لن تستجيب لطلبه، والدولة اللبنانية تقدّمت باقتراحات بديلة لإجلاء رعاياها من إيران حفاظاً على مطارها. رفضت طهران المبادرة مصرّة على هبوط طائرتها في مطار بيروت، هذا الموقف رأى فيه البعض أنه يحمل أبعاداً تتخطى حرص طهران على السيادة اللبنانية، أو على سلامة اللبنانيين.
في الظاهر، يحمل بيان بقائي موقف إيران المعارض للقرصنة الإسرائيلية على الأجواء اللبنانية. ولكن في العمق قد يكون يصبّ التطوّر المستجد بين لبنان وإسرائيل في المصلحة الإيرانية، لإعفائها من وعودها بدفع التعويضات للأضرار الناتجة عن حرب لبنان الثالثة، والتي أتت بتوقيع إيراني، حيث شعرت طهران بأنها خسرت أطرافها في المنطقة ولم تحقق تقدّماً تفاوضها مع الغرب في شأن ملفها النووي.
لا تريد طهران دفع التعويضات، أو بلغة اقتصادية هي غير قادرة على القيام بهذا، ولا سيما بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفرض إجراءات أكثر عقابية عليها. لهذا وجد النظام في طهران ضالته في شأن الطائرة الإيرانية، فها هو يستخدمها ذريعة يتحجّج بها للتنصّل من مسؤوليته تجاه بيئة "حزب الله"، إذ رغم مرور أكثر من شهرين على وقف النار لم تلمس الأرضية الكثير من الجدية في وعود إعادة الإعمار.
لا تزال أزمة الطائرات بين لبنان وإيران تتفاعل، ولا تزال احتجاجات مناصري ومحازبي "حزب الله" تعمل على قطع الطرقات المؤدّية إلى المطار، وفي بعض المناطق اللبنانية. رغم خطورة ما يحصل على الأرض الذي قد يدفع إلى حرب داخلية يحتاج إليها العدو الإسرائيلي، فإن الرسائل التي تريد طهران توجيهها عبر "حزب الله" واضحة، بأن لبنان لم يزل ورقة تفاوضية بيدها، رغم "الطحشة" الخليجية والعربية لإخراج لبنان من أزمته، إذ وضع البعض زيارة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني لبيروت السبت 15 شباط الجاري في هذا الإطار.
يريد "حزب الله"، ذراع إيران في المنطقة، أن يؤكد دوره في المعادلة اللبنانية، رغم الضربات والنكسات التي أصابته مع المواجهة العسكرية مع إسرائيل، إذ شعر الحزب بأن وصول جوزف عون إلى قصر بعبدا، وتشكيل حكومة نواف سلام، أتى خارج إرادته، فهو يدفع فاتورة الحرب وما بعدها. لهذا يجد البعض أن ردة فعل الحزب على الأرض، تأتي بدوافع إيرانية، لإعادة تكريس الحضور، ولا سيما أن الضغط الأميركي بدأ يأخذ شكلاً تصاعدياً.
يشكل مطار بيروت بالنسبة إلى الحزب ما بقي من صورته المهمّشة لهذا يحاول ان يبقيه ورقة للابتزاز الداخلي، بعدما استسلم تماماً للخارج، وبصم بالعشرة على الصفقة التي أوقفت الحرب وفرضت على لبنان شروطاً مذلة لصالح إسرائيل.
ليس ما حدث على طريق المطار من شغب وقطع طرقات وحرق مركبة تابعة لـ"اليونيفيل" جديداً على "حزب الله". فالحزب صاغ على مدار تاريخه سيرته السياسية والأمنية بروابط اتصلت دائماً بالطريق المؤدي من المطار وإليه، إذ كان متوقعاً أن يلجأ الحزب إلى قطع طريق المطار، وقد هدّد القيادي وفيق صفا بذلك في مؤتمر صحافي قبل أسابيع، ملمحاً إلى أنه يعقد مؤتمره على بعد أمتار من المطار، في إشارة إلى أن الحزب لا يزال قوياً رغم كل نكساته.
يدرك الحزب أن المطار هو المجال الحيوي الباقي له لشبك علاقاته مع طهران عبر إرسال الأموال والأسلحة، بعدما خاض الحزب تحت اسم العشائر حرباً مع الجيش السوري، أقفلت من خلالها جميع المعابر الشرعية وغير الشرعية. كذلك الأمر فقد الحزب سيطرته على مرفأ بيروت بعد الكارثة التي أدت إلى انفجاره في 4 آب 2020.
إنّ الاحتجاجات المستمرة كانت لتحل بالأطر الديبلوماسية بين البلدين، إلا أنّ للغة الشارع مفهوماً آخر، بعدما شعر الحزب في ما قالته نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، من قصر بعبدا، إخراجاً له من الحياة السياسية.
بين مطرقة الحزب وسندان إيران ستستمر الاحتجاجات وقد تسلك طريقاً أكثر دموياً مع دخول المنطقة في نفق سياسات ترامب الذي يسعى لسحب روسيا من الشراكة مع إيران عبر تكريمها على حساب أوكرانيا، بالمقابل يعمل ترامب على سحب البساط نهائياً في المنطقة من تحت أقدام طهران. لهذا يبقى طريق المطار الطريق الأقصر لممارسة الضغط داخلياً وخارجياً، حيث يعمل الحزب على إعادة ترتيب أوراقه على الأقل داخلياً. لكنّ السؤال: ما ضمانة الحزب إن استمرّ في اتباع لغة الشارع بأن لا تتوجه السلطة إلى فتح مطار آخر في لبنان؟ عندها ألا يخسر كافة أوراق الضغط لديه؟