الادعاء على سلامة "مناورة" لبنانية لوقف التحقيقات الأوروبية؟!

في السادس عشر من كانون الثاني الماضي، وبعدما باشر الوفد الأوروبي تحقيقاته في ملف حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أكدت بعض المصادر القضائية حينها أن الجانب اللبناني ملتزم بالاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، ومُتعاون مع الوفد الأوروبي لإنهاء تحقيقاته. ولكنها شرحت أيضاً أن الاتفاقية الدولية أعطت القضاء اللبناني الحق الكامل في طلب تأجيل التحقيق الدولي في حال باشر بتحقيق داخلي مستقل للملف نفسه. حينها، اعتبر المصدر أنها المنفذ القانوني الوحيد الذي من شأنه تأجيل عودة الوفد الأوروبي إلى بيروت.

ادعاء وجرائم مالية
واليوم الخميس، 23 شباط، ادعى المحامي العام الاستئنافي في بيروت، القاضي رجا حاموش على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وشقيقه رجا سلامة، ومساعدته ماريان الحويّك، وكل من يظهره التحقيق، بجرائم التزوير، اختلاس الأموال العامة، مخالفة القانون الضريبي، تبييض الأموال والإثراء غير المشروع.

أيضاً، أحال حاموش ملف سلامة والمدعى عليهم على قاضي التحقيق الأول في بيروت، القاضي شربل أبو سمرا، طالباً منه استجوابهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم، الأمر الذي دفع بسلامة للتصريح أنه بريء من هذه التهم، قائلاً: "المتهم بريء حتى  تثبت إدانته".

يُذكر أن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت، القاضي حبيب رزق الله، قد عيّن القاضي رجا حاموش الخميس الماضي، 16 شباط، وذلك بعدما ردّ رزق الله النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زياد أبو حيدر عن ملف سلامة حين رفض الإدعاء عليه.

وحسب معلومات "المدن"، فإن وفداً ألمانياً من السفارة الألمانية قد حضر صباحاً إلى النيابة العامة التمييزية للاجتماع مع المدعي العام التمييزي، غسان عويدات، غير أن اللقاء تعذّر بسبب انشغال عويدات ببعض الملفات القضائية.

هذا وكان من المفترض أن يتم تواصل القضاء اللبناني مع القضاء الأوروبي في منتصف شهر شباط الحالي، لتحديد موعد وصول الوفد الأوروبي إلى بيروت لاستكمال تحقيقاته في ملف سلامة، وكان مفترضاً تحديد جلسة لاستجواب رياض سلامة ورجا سلامة وبعض المستدعين إلى التحقيق، غير أن هذا الاتصال لم يحصل حتى الساعة.

عرقلة التحقيق الأوروبي؟
وحسب معلومات "المدن" التي حصلت عليها، فإن إحالة ملف الادعاء على سلامة على قاضي التحقيق الأول في بيروت، شربل أبو سمرا، من شأنه "تجميد" تحقيقات القضاة الأوروبيين، في حال قرر القاضي نفسه تأخير تنفيذ الاستنابات القضائية. حينها ستطلب النيابة العامة التمييزية من الوفد الأوروبي تأجيل زيارته لبيروت.

كتاب ميقاتي والبلبلة
قرار حاموش تزامن مع عقد اجتماع "طارئ" لمجلس القضاء الأعلى عند الواحدة والنصف ظهراً، وذلك للتباحث في الكتاب المُرسل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي إلى وزير الداخلية بسام المولوي، طالباً منه إبلاغ الأجهزة الأمنية بعدم تنفيذ قرارات القاضية غادة عون التي اتخذتها بحق المصارف.

لا شك أن قراراً كهذا يحدث "البلبلة" ويثير جدلاً واسعاً داخل القضاء اللبناني وبين القضاة أنفسهم، حيث انقسمت الآراء حول قانونيته أو عدمها.

فمنهم من اعتبر أن قرار ميقاتي بمثابة تدخل و"سطو" واضح على القضاء، ومنهم من رأى أن مبدأ فصل السلطات لم يعد يطبق في لبنان، حيث أن السلطة السياسية تتدخل في السلطة القضائية تبعاً لحساسية الملفات، كملف انفجار المرفأ وملف المصارف، ووفقاً لمصالحها الخاصة.

آخرون اعتبروا أن القاضية عون تطلق الاتهامات بطرق عشوائية، وليس من المفترض اتهام جميع المصارف بتبييض الأموال، فهذه التهم نابعة من كيد سياسي وشخصي ومن شأنها تدمير القطاع المصرفي في لبنان.

من أجل ذلك، وحسب مصادر"المدن"، فإن النيابة العامة التمييزية في صدد تحضير تعميم قضائي يقضي بتحديد آلية محددة لملاحقات المصارف، ومن المفترض أن يصدر في الأيام المقبلة وذلك للحد من هذا الجدال الحاصل.

استمرار الصراع.. وبيان نادي القضاة
هذا ويستمر الصراع السياسي-القضائي بين الرئيس نجيب ميقاتي والقاضية غادة عون حول ملف المصارف وقضية حاكم مصرف لبنان، بعد أن نفذ وزير الداخلية كتاب ميقاتي، فيما أكدت عون "أن ما من أحد قادر على توقيفها".

ودفاعاً عن عون، نظمت جمعية "أموالنا لنا" في العاشرة صباحاً وقفة تضامنية مع عون أمام قصر العدل ببعبدا، رافع فيها المشاركون يافطات "كلنا غادة عون"، كما ورفضوا تدخل ميقاتي في الملفات القضائية التي من شأنها أن تعرقل سير التحقيقات القضائية.

 

في السياق نفسه، فإن نادي القضاة أصدر بياناً الأربعاء 22 شباط، يحمل عنوان "ذهول عن القانون لا سابقة له"، اعتراضاً على كتاب ميقاتي، وجاء فيه "إن هذا التدخل السافر يشكل خطيئة كبرى وسابقة خطيرة تجافي أبسط المبادئ القانونية وينبغي الرجوع عنها فوراً من دون إبطاء"، كما "طلب من وزير العدل هنري الخوري والمراجع القضائية التصدي لهذا الاعتداء السافر..".

فيما اعتبر ائتلاف استقلال القضاء في بيانه أن انقلاب ميقاتي هو اغتصاب السلطة القضائية مرتين في شهر واحد، وجاء فيه: "ما قام به رئيس الحكومة ووزير الداخلية يشكل تغولاً قد يكون الأخطر للسلطة التنفيذية على السلطة القضائية في اتجاه إلغاء مبدأ الفصل بين السلطات والتعامل مع القضاء على أنه جزء من الإدارة العامة..". 

يمكن القول أن ادعاء القضاء اللبناني على سلامة سيبدّل مسار التحقيقات الدولية، فالبرغم من كونه الاعتراف القضائي الأول بجرائم سلامة المالية، لكنه من الممكن أن يكون طوق النجاة الوحيد الذي سيحمي سلامة من نتائج التحقيقات الدولية.