البرلمان يُشعل شرارة المحاسبة: رفع الحصانة عن بوشيكيان والجميّل يعلن حربًا على الاستثناءات القضائية

على وقع العتمة وانقطاع الكهرباء وتعطّل المولدات، انعقدت جلسة مجلس النواب اللبناني يوم أمس، لتتحول رغم ظروفها اللوجستية القاسية إلى جلسة استثنائية بكل المقاييس. ففي لحظة وصفت بالمفصلية، صوّت المجلس لصالح رفع الحصانة عن النائب والوزير السابق جورج بوشيكيان، وهي سابقة تشريعية لم تشهدها البلاد منذ ربع قرن.

المفارقة أن هذه الخطوة الحاسمة جاءت في أجواء خانقة من الحرّ والعتمة، لتُثبت أن الرقابة البرلمانية يمكن أن تُمارس حتى من قلب الفوضى. وافق 99 نائبًا على القرار، فيما امتنع نائب واحد عن التصويت ورفضه آخر، استجابةً لطلب مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار، على خلفية شبهات تطال بوشيكيان بملفات فساد وهدر مال عام.

ومع التصديق على القرار، يصبح بوشيكيان، المقيم حاليًا في كندا، أول نائب تُرفع عنه الحصانة منذ قضية النائب السابق حبيب حكيم.

مصادر دستورية وقضائية أوضحت لموقع kataeb.org أن المرحلة التالية بعد رفع الحصانة تتضمن استدعاء بوشيكيان للتحقيق أو توقيفه، أو إحالته إلى قاضي التحقيق. وفي حال ثبوت فراره وامتناعه عن المثول أمام العدالة، فإن الإنتربول قد يصدر مذكرة توقيف دولية بحقه. كما شددت المصادر على أن إبطال النيابة لا يُبتّ به قبل صدور حكم قضائي نهائي.

بموازاة ذلك، استمع المجلس إلى إفادات الوزراء السابقين بطرس حرب، نقولا صحناوي وجمال الجراح بشأن ملف الاتصالات، ضمن مسار قضائي–رقابي أثار جدلًا واسعًا حول آلية الإحالة والاختصاص.

وهنا برز صوت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، الذي فجّر خلال الجلسة موقفًا حادًا طالب فيه بـإلغاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وإحالة القضايا إلى القضاء العادي، بعيدًا عن المحاكم الاستثنائية.

الخبير الدستوري سعيد مالك، وفي حديث لـ kataeb.org، أوضح أن مطلب الجميّل يرتكز إلى مبدأ المساواة أمام القانون، لكنه يصطدم بعقبة دستورية، إذ إن المجلس الأعلى منصوص عليه في الدستور، وأي محاولة لإلغائه تحتاج إلى تعديل دستوري معقد يتطلب أكثريات نيابية يصعب تحقيقها. وأشار إلى أن الجميّل لا يستهدف الأشخاص، بل الآليات القضائية الاستثنائية التي تعطل العدالة بدل أن تكرّسها.

وفي الوقت الذي اعتبر فيه بعض النواب أن رفع الحصانة يعيد للمجلس شيئًا من دوره الرقابي الغائب، يبقى الرهان على ترجمة هذا القرار إلى إجراءات قضائية حقيقية، لا أن يتحول إلى مجرّد خطوة رمزية تضاف إلى أرشيف الوعود غير المكتملة.

فهل نشهد انطلاقة مسار محاسبة فعلي؟ أم تبقى هذه الشرارة يتيمة في عتمة سياسية متجذّرة؟