المصدر: المدن
الجمعة 1 تشرين الأول 2021 14:47:53
كتبت عزة الحاج حسن في المدن:
عندما أعلن وزير الشؤون الاجتماعية السابق، رمزي مشرفية، عن البدء بإطلاق البطاقة التمويلية بتاريخ 9 أيلول المنصرم، عشية إعلان تشكيل الحكومة في 10 أيلول، لم يكن يعلم أن خلفه سيرمي مشروعه وراء ظهره، ليهندس مشروعه الخاص للبطاقة التمويلية. أو ربما كان يعلم ذلك، لتيقنه من أن مشروع البطاقة الذي أعلنه على الجمهور ما هو إلا شعار وكلام فارغ بِيع للناس المتعطشة للمساعدات، والعاجزة عن تأمين معيشتها بسبب انهيار القدرة الشرائية لليرة. ولكن بعد ثبوت عدم جدوى أو بالأحرى عدم اكتمال مشروع البطاقة التمويلية، التي بشر بها الوزير السابق للشؤون الاجتماعية، يبقى السؤال اليوم، هل سيرى مشروع الوزير الحالي هيكتور حجار النور؟ أم أن الأخير يعتمد السياسة عينها التي اتبعها سلفه وقوامها قطف الإنجازات وإن كانت وهمية.
بين 9 و10 أيلول
بعد دراسات وتمحيص على مدار أشهر في ماهية وكيفية إطلاق البطاقة الإلكترونية وتشريع إطلاقها رسمياً، أعلن عنها في مؤتمر صحافي، أوحى لمترقبي البطاقة وعموم اللبنانيين لاسيما الفقراء منهم، أن الخطط والدراسات بدأت تترجم على أرض الواقع. فلم يتردد الوزير السابق من الإعلان عن آلية البطاقة، وعن المستفيدين منها وغير المستفيدين، وعن حجم الدعم الذي تقدمه، وتوّج مؤتمره الصحافي بالإعلان عن الموقع الإلكتروني الذي سيستقبل طلبات الراغبين بالإستفادة من البطاقة. انتهى المؤتمر الصحافي حينها، وانتهى معه كل شي. فلم يتمكن أي من المواطنين الدخول إلى الموقع الإلكتروني الذي أعلن عنه الوزير ولم يتم تفعيله حتى اللحظة.
باع الوزير مشرفية المواطنين "الهواء". أعطاهم الأمل بإمكان الحصول على بطاقة دعم (البطاقة التمويلية) وأورد في صلب مشروعه الذي زفه إلى الجمهور في 9 أيلول إمكان تقديمهم الطلبات للإستفادة من البطاقة من تاريخ 9 أيلول وحتى تاريخ 15 تشرين الأول، عند الساعة الثانية عشر ليلاً. نجح بدقة توقيته أن يوهم الناس بصحة إطلاق البطاقة، ليكتشفوا لاحقاً زيف كل ما تقدم ومعظم ما ورد في المؤتمر الصحافي. إذ وفي اليوم التالي تماماً تم تشكيل الحكومة، وسرعان ما أعلن وزيرها الجديد للشؤون هيكتور حجار إعادة دراسة مشروع البطاقة التمويلية والإعلان عنها من جديد فور جهوزها!
مصادر الوزير مشرفية تصرّ على أن مشروع البطاقة كان واضحاً ومكتملاً، ولم يكن من داعٍ للوزير الجديد إعادة العمل على المشروع. وتم وصف ما يحصل بـ"تضييع الوقت". فالبطاقة التمويلية مقرونة برفع الدعم كلياً. وهو ما يحصل فعليا اليوم، من دون إطلاق البطاقة. وعند السؤال عن الأسباب التي حالت دون إطلاق الموقع الالكتروني الذي أعلن عنه الوزير السابق والمخصص للتقدم بالطلبات، يبرر المعنيون بأن الموقع كان مقرراً له الانطلاق في 15 أيلول، غير أن الحكومة السابقة لم توقع الآلية التطبيقية للبطاقة. لذلك لم ينطلق الموقع الإلكتروني.
ماذا بعد 10 أيلول
بتاريخ 10 أيلول، أي بعد يوم واحد على إطلاق البطاقة التمويلية تم تشكيل الحكومة. وسرعان ما أعلن وزير الشؤون الاجتماعية الجديد هيكتور الحجار أن البطاقة التمويلية تخضع للدرس المعمق والمفصل! أي درس معمق ومفصل هذا؟ وماذا عن المشروع التفصيلي المُعلن عنه منذ أيام؟ وعد الحجار بإطلاع اللبنانيين على نتائج ما يتم البحث به خلال أيام. ومنذ ذلك الحين لم تَحل تلك الأيام بعد.
مصدر آخر من وزارة الشؤون يصف مسار العمل على البطاقة التمويلية، من عهد مشرفية إلى الحجار، بأنه "مضيعة للوقت". فالأول، أعلن عنها قبل نضوجها بشكل نهائي، في ظل غياب إطار واضح للبطاقة، لجهة مدتها الزمنية والشرائح المستهدفة والتمويل وغير ذلك. أما الثاني، فلا يزال يدور في الحلقة نفسها. وما الحديث عن إحراز تقدّم على مستوى إيجاد التمويل اللازم سوى "غش وخداع"، على حد تعبير المصدر. فالنقاط العالقة لا تزال من دون تغيير حتى اللحظة تحديداً لجهة التمويل، والسؤال هل سيُعلنها، كيف ومتى؟
عوائق لا تزال قائمة
أما العوائق التي تواجه عملية دخول البطاقة حيز التنفيذ، فتتمثل بالدرجة الأولى بتحديد آلية واضحة لها، ولكيفية اختيار العائلات المستهدفة منها. وهذا الأمر تم التوافق عليه حسب المعلومات، وتم توقيع قرار تحديد الآلية رسمياً من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. لكن على الرغم من ذلك، لا تزال هناك العديد من الملاحظات والتساؤلات لم يتم تفسيرها. وتتلخص الآلية في تقدم كافة فئات المجتمع بطلبات الحصول على البطاقة التمويلية، على أن يتم تحديد المستحقين منهم بناء على حجم مداخيلهم وأفراد أسرهم. وحسب الآلية، فإن كافة شرائح المجتمع من المحتمل أن تنطبق عليها مواصفات الحصول على البطاقة، باستثناء الأسر التي تدفع ما يزيد عن 3500 دولار أو ما يعادلها حسب سعر الصرف بالسوق الموازية كبدل إيجار سنوي، والأسر التي تمتلك سيارتين أو أكثر مسجلتين بعد العام 2018، يعود تاريخ صنعها للعام 2017 وما بعده، والأسرة المستفيدة من برنامج حياة (NPTP) والأسر التي تستعين بخدمات مدبرتين منزليتين أو أكثر.
ويستغرب المصدر في حديث إلى "المدن" كيف تم التوافق على هذه الآلية، في حين أن الفريق المخول التدقيق بتلك الطلبات لم يُحدد بعد؟ ويسأل كيف يمكن إطلاق البطاقة قريباً تماشياً مع وعد الوزير، ولم يتم تشكيل الفريق حتى اليوم. وفيما لو كان التوجه إلى اعتماد الفريق الإحصائي المتواجد حالياً في الوزارة، والذي يتابع برنامج الأسر الاكثر فقراً، يوضح المصدر بأن الفريق المعني لم يُبلغ حتى اللحظة باحتمال الاستعانة به لتنفيذ البطاقة التمويلية.
العائق الثاني يتمثل بتمويل البطاقة. وهذا الجانب أيضاً لم يُحسم حتى اللحظة. وكل ما بلغه الوزير الحالي هو التوصل مع الحكومة إلى قرار سداد قيمة البطاقة التمويلية، المحددة بـ25 دولار لكل فرد، و15 دولار إضافي لكل شخص يفوق سن 64 عاماً، على أن لا تتجاوز قيمة المساعدة للأسرة الواحدة 126 دولار، بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف المنصة. وهذا أمر حسب أكثر من مصدر، يعد شبه مستحيل. وفي حال تم الأمر، فإنه سيجرّد البطاقة من أهميتها. ولا ننسى العقبات أمام سداد قيمة البطاقة بالليرة اللبنانية، إن لجهة زيادة معدلات التضخم وفقدان قيمتها الشرائية، أو لجهة تحديد سعر صرف المنصة المتغير يومياً. فهل يتم اعتماد سعر المنصة في اليوم الذي يتم فيه تحويل أموال البطاقة، أو في يوم سحب المبلغ من قبل المستفيد منها؟ بالإضافة إلى عقبات كثيرة تشوب مسألة سدادها بالليرة، خصوصاً لجهة التمييز بين شرائح المجتمع، من بينهم المستفيدين من برامج البنك الدولي والمؤسسات الدولية.