"البلوك 8": لبنان يوقظ وحش الطاقة النائم في المتوسّط!

في خطوة وُصفت بأنها قد تُعيد رسم خريطة الطاقة في شرق المتوسّط، وافق مجلس الوزراء اللبناني، يوم الخميس، على طلب شركة "توتال" الفرنسية تنفيذ مسحٍ زلزالي ثلاثي الأبعاد في البلوك البحري رقم 8، خلال فترة تمتد على ثلاث سنوات، في إطار إعادة تفعيل الأنشطة البترولية في المياه اللبنانية.

يمتد البلوك رقم 8 على مساحةٍ تقارب 1300 كيلومتر مربع، وهو البلوك الوحيد بين البلوكات العشرة المحددة في المنطقة الاقتصادية اللبنانية الذي لم يخضع سابقًا لأي مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد. وتُعد هذه التقنية من الركائز الأساسية في عمليات الاستكشاف، إذ تعتمد على إرسال موجات صوتية عالية التردد من سفن متخصصة نحو قاع البحر، ثم التقاط الانعكاسات عبر مجسّات دقيقة لتكوين صور ثلاثية الأبعاد لبنية الطبقات الجيولوجية، ما يسمح بتحديد التراكيب التي قد تحتوي على مكامن الغاز أو النفط بدقة متناهية.

أكد المهندس طوني ضو، المتخصص في شؤون الطاقة، عبر موقع kataeb.org، أن احتمال وجود الغاز في البلوك رقم 8 قائم بقوة، مشيرًا إلى أن البحر اللبناني ليس معزولًا جيولوجيًا عن الأحواض المجاورة التي أُثبتت غناها بالغاز في كل من قبرص ومصر وإسرائيل، وهو ما يجعل من هذا المسح خطوةً علمية بالغة الأهمية.

وأوضح ضو أن آلية العمل ستُطبق وفق دفتر الشروط المعمول به في البلوكات الأخرى، مثل البلوك رقم 10، وذلك خلال الفترة الزمنية المطلوبة التي عادة ما تتطلبها عمليات التحضير السابقة للحفر، معتبرًا أن نتائج هذا المسح ستعزز التحاليل التقنية اللاحقة.

وفي موازاة ذلك، شدد ضو على ضرورة الالتزام بمبدأ الشفافية في نشر نتائج الحفر لاحقًا بعد إتمام عملية المسح، إذ تنص الأصول الدولية على أنه، قبل ستة أشهر من إقفال أي بئر، يجب الإعلان عن النتائج في تقريرٍ مفصل، أو على الأقل نشر موجز عنها، تطبيقًا لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات المعتمد في لبنان، وأضاف أن هذا البعد الشفاف ضروري لبناء ثقة المواطن والمجتمع العلمي بالقطاع النفطي الناشئ.

ويرى ضو أن هذه الخطوة تأتي في توقيت بالغ الحساسية، خصوصًا بعد النجاحات التي حققتها دول الجوار في مجال استخراج الغاز، ما يجعل التحرك اللبناني بمثابة إشارة واضحة للأسواق العالمية بأن بيروت عازمة على دخول سباق الطاقة الإقليمي بجدية، كما أن الموقع الجغرافي للبنان على بوابة أوروبا، إلى جانب المقومات الجيولوجية الواعدة في مياهه العميقة، يمنحانه فرصة فريدة لتعزيز موقعه في السوق الإقليمية للطاقة.

ويخلص ضو إلى القول إن المسح الزلزالي في البلوك رقم 8 لا يُمثل مجرد إجراء تقني، بل يشكل الركيزة الأولى لمسار سيادي جديد في استثمار الموارد الوطنية، قد يفتح للبنان الباب للانتقال من دولة مستوردة للطاقة إلى لاعب ناشئ في سوق الغاز الإقليمي.

وبينما تترقب الأنظار نتائج المسوحات المنتظرة، يبدو أن البحر اللبناني يُخفي في أعماقه فرصة تاريخية قد تُغير ملامح الاقتصاد اللبناني لعقود قادمة.