المصدر: النهار
الكاتب: إسكندر خشاشو
الأربعاء 28 آب 2024 17:08:22
كتب اسكندر خشاشو في النهار:
في موازاة الحرب الدائرة في الجنوب بين "حزب الله" وإسرائيل، ثمّة عمل في الداخل اللبنانيّ يستهدف الطائفة السنية تحديداً وإحداث تغييرات كبيرة من داخلها بعد الابتعاد الكبير عن "حزب الله" وخطّ الممانعة منذ نحو 20 عاماً.
ليس هناك أهم وأقرب من فلسطين إلى قلب السنّة، اللبنانيين خصوصاً، فكيف اذا كانت تتعرّض الى عدوان وإبادة، وأنّ هناك من ينصرها بالقتال والدم والسلاح في لبنان؟ فمن الطبيعيّ أن يخرق هذا العامل ما فرّقته السنوات العشرين الماضية، فالهدف أكبر وأنبل.
من دون أدنى شكّ المزاج العام تغيّر وغابت الحدّية السابقة التي كانت موجودة في السنوات الماضية، وخصوصاً أنّ ما كان يجري في الإقليم منذ الربيع العربي مروراً بحرب سوريا أيضاً تغيّر، إلّا أنّه حتى اللحظة لم يؤت بنتائج إيجابية كاملة للمحور ولـ"حزب الله" بالذات.
عدد كبير من الدراسات والإحصاءات قامت بها جهات محلية وأجنبية أتت بنتائج متقاربة جداً، وهي أنّ مستوى القبول والتقارب بين الطائفة السنية و"حزب الله" ليس إيجابياً لا بل سلبيّاً، ولا زالت هذه البيئة في تباعد مع "الحزب" على الرغم من التعاطف الكبير مع ما يجري في فلسطين والتقدير لما يقوم به "حزب الله"، لكن غالباً في لبنان ما يكون هناك رفض للدراسات والإحصاءات باعتبارها مضلّلة أو أقلّه مشكوك في موضوعيّتها.
لكن في حقيقة الأمر هناك من بدأ يعمل بجدية لاختراق الطائفة السنية بشكل فاعل أكثر، وحوّل جزءاً من نشاطه الإعلامي والسياسي نحو هذا الهدف، مستغلّاً عناصر متعدّدة، أبرزها، غياب المرجعية القوية للطائفة السنية، وتحييد جزء من نواب الطائفة أنفسهم عن الأحداث، بموازاة ندرة المواقف السياسية لنواب محسوبين على تيار المستقبل تتعلّق بالحرب، رفضاً أو قبولاً، أو تتعلّق بـ"حزب الله" معارضة أو تأييداً.
إلى ذلك لوحظ مؤخّراً في منطقة الجنوب وخصوصاً في صيدا، كيف يتمّ العمل على شدّ العصب باتجاه معين، تارة من خلال خلق أجواء تصادمية مع المحيط، وتحديداً مع "القوات اللبنانية"، كاستغلال وتحوير خطاب للنائبة غادة أيوب سلباً إلى أقسى حدود، وطورًا عبر خلق مسألة حساسة كارتياد المطاعم والكحول لزيادة الشرخ.
ولم تتوقّف المحاولات عند العمل على تغذية الفتنة، فجرت محاولة انقلابية على النائب أسامة سعد سعياً لفكّ التنظيم الذي يترأسه، وإيجاد تنظيم مرادف ومن قلب التنظيم الشعبي الناصري، هدفه دعم خيارات "حزب الله" في الساحة الصيداوية وعماده أحد نواب الحزب السنّة (ملحم الحجيري).
في المقابل بدا واضحاً أنّ حركة بعض المشايخ السنّة على مستوى المناطق لم تنجح أيضاً في استمالة الرأي العام كما يجب، وهذا ما دفع دار الفتوى الى التدخّل مع عدد منهم، فانكفأ من انكفأ، وبقي عدد قليل منهم أحد المشايخ الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي وقد تمّ ازاحته من موقعه، علماً أنّه في الأصل لم ينجح يوماً في تكريس أيّ اختراق في صفوف السنّة نظراً لارتباطه الوثيق مالياً بـ"حزب الله"، مع العلم أنّه واجه وغيره من المشايخ معارضة قوية من مراجع سنيّة لها ثقلها، تمثّلت بالمواقف الحازمة التي أدلى بها أمين سرّ دار الفتوى السابق خلدون عريمط.
حتّى "الجماعة الإسلامية" التي ذهبت بعيداً في التحالف مع "حزب الله"، عادت لتفصل نفسها عنه نتيجة ضغط البيئة السنيّة. ويمكن رصد توجّهها الجديد، من مواقف مسؤوليها، وتوقف عملياتها العسكرية منذ أشهر.
ولعلّ ما يدل على "نفس" البيئة السنيّة الحقيقيّ، أمر لافت الأهمية في المكان والزمان. المكان القرى الحدودية السنية أو قرى العرقوب، والزمان أثناء تشييع أحد عناصر سرايا المقاومة في شبعا. وتمثّل الحدث بوقوع إشكال بين أهالي البلدة ومشايخها مع "حزب الله" إثر رفض الأهالي الالتزام بالإجراءات التي يتبعها "الحزب" في خلال مراسم التشييع، ليرضخ "الحزب" في النهاية ويعدل عن المطالبة بتطبيق إجراءاته. وكما في شبعا كذلك في البقاع الغربيّ عندما أَبلغت فعاليات دينية ومدنية الجماعة الإسلامية برفضها مشاركة "حزب الله" في عمليات تشييع قياديَّيها اللذين استهدفتهما إسرائيل، ورضخت الجماعة لهذا الأمر.
في المحصلة وبعد 11 شهراً على الحرب، لا يبدو أنّ ما كان مأمولاً من "الحزب" تحقّق أو سيتحقّق، إن على المستوى العسكري كجبهة إسناد، أو على المستوى الداخلي كمحاولة ايجاد قسمة بين اللبنانيين عموماً، وبين مكوّنات الصفّ الواحد خصوصاً، تمهيداً لاستثمارها في الآتي من الأيام.