البيان الوزاري أبقى القديم على قِدمه

 

ولعلّ الأبرز وفق هذه الأوساط يمكن استنتاجُه من خلال المعطيات الآتية:

* بقاءُ القديم على قِدمه في البيان الوزاري لحكومة دياب، في المسائل السياسية التي كانت واحدةً من أسباب عُزْلةِ لبنان وأزماته، أي الفقرة المرتبطة بـ «تشريع» سلاح «حزب الله» مواربةً، والموقف الإنشائي غير المُلْزِم للحزب في مسألة النأي بلبنان عن أزمات المنطقة وحروبها، وتالياً المضيّ في سياسة «النعامة» إزاء تَوَرُّطه في سورية والعراق واليمن وساحات أخرى.

* التفاهمُ مع رئيس الحكومة الذاهبة للمثول أمام البرلمان لنيْل الثقة مطلع الأسبوع المقبل على الأرجح، على بقاء ملف ترسيم الحدود البحرية - البرية مع اسرائيل في عهدة رئيس البرلمان نبيه بري، حليف «حزب الله» في الثنائية الشيعية، كاستمرارٍ في تَجاوُز السلطة التنفيذية المعنية بملفاتٍ من هذا النوع أي رئيسْ الجمهورية والحكومة، ما يعني تالياً استمرار الاختلال الداخلي بمقوّيات إقليمية.

* إبقاء السيادة على المَعابر الحدودية مع سورية خارج نطاق صلاحيات الحكومة، وسط ضغوطٍ يُمارِسُها المجتمعُ الدولي، ولا سيما واشنطن، لبسْط سلطة الدولة على تلك المَعابر في موقفٍ يتجاوز مسألة التهريب وحرمان الخزينة من عائدات مالية، إلى استمرار تَدَفُّق الصواريخ إلى «حزب الله» الذي أَهْمَلَ إشاراتٍ تُقايِضُ إدارةَ ظهرٍ دولية لما يمْلكه من صواريخ لقاء الموافقة على قفْل المعابر والامتناع عن تهريب المزيد لتطوير إمكانات ترسانته الصاروخية.

* تَوَقُّع مُضاعَفَة الضغوط الأميركية على «حزب الله» عبر موجةٍ جديدةٍ من العقوبات التي من المرجّح أن تطول شخصياتٍ مُواليةً له من بيئاتٍ مختلفة، وسط اعتقادِ دوائر «محور المُمانَعَة» ان إدارة الرئيس دونالد ترمب التي لم تنجح في استثمار حرْبِها الناعمة على طهران وكسْر إرادتها والتي تواجه أوضاعاً صعبة في العراق سترتدّ على «حزب الله» للاقتصاص منه عبر إجراءاتٍ عقابية أشدّ قسوة.

ورغم هذه اللوحة المدجّجة باحتمالاتِ «التوتر العالي»، فإن أوساطاً مُحايِدَةً بدت أكثر براغماتية في تَعاطيها مع الوقائع السياسية - المالية وما يحوطها من مواقف داخلية وخارجية عبر الحديث عن فرصةٍ لثلاثة أشهر أمام حكومة دياب لإثبات قدرتها على تنفيذ برنامجٍ إصلاحي وكسْبِ ثقة المجتمع الدولي، من دون إغفال المأزق الـ «ما فوق عادي» الذي يواجه البلاد ويحتاج لعشرات المليارات من الدولارات لإنقاذ القطاع المصرفي والوضع الاقتصادي - المالي.

وفي تقدير هذه الأوساط أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب سلوك «حزب الله» وإمكان استمرار التزامه بـ «قواعد الاشتباك» بعد اغتيال قاسم سليماني، وتالياً فإن قرار واشنطن وحلفائها الحاسم بحجْب المساعدات المالية عن لبنان يرتبط بمسألتيْن: حجم الطغيان الذي سيمارسه الحزب على الخيارات الوطنية اللبنانية، ومدى استجابة الحكومة الجديدة لبرامج صندوق النقد الدولي.

ويذهب هؤلاء إلى حد القول إن الدول العربية، ولا سيما الخليجية، ورغم تَفاوُت موقفها من التركيبة الجديدة، لن تبادر إلى تقديم مساعداتٍ إلا في إطار ما يقرّره صندوق النقد، الذي لم يَحسم لبنان خياراته في شأن التعاطي معه في ظل ممانعة «حزب الله» ما يعتبره «وصايةً دولية» ذات أبعاد سياسية.