المصدر: الانباء الكويتية
الكاتب: داود رمال
الجمعة 18 تموز 2025 23:57:50
في سياق إقليمي بالغ التعقيد، أعاد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تسليط الضوء على واحدة من أكثر المسائل خطورة في الشرق الأوسط: الوضع على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وما ينطوي عليه من تداعيات تتجاوز الاشتباك العسكري إلى صميم معضلة السيادة الوطنية والسلاح في لبنان.
التحذير الذي أطلقه غوتيريش بشأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لتلال ومناطق لبنانية ليس فقط تكرارا لموقف أممي مبدئي، بل يشير بوضوح إلى أن هذا الاحتلال أصبح عاملا مساهما في تعقيد الداخل اللبناني، عبر تأجيج خطاب يتعارض مع مبدأ احتكار الدولة للسلاح، في لحظة سياسية لبنانية تبدو فيها الدولة على مفترق طرق مصيري.
وقال مصدر ديبلوماسي غربي لـ «الأنباء»: «القلق الأممي لا يأتي فقط من استمرار التوتر الحدودي، بل من احتمال استخدام هذا الواقع كذريعة داخلية لتبرير بقاء السلاح خارج الدولة»، مشيرا إلى أن «الاستفزازات الميدانية الإسرائيلية شمال الخط الأزرق لا يمكن عزلها عن واقع داخلي لبناني غير منتظم، وأن الضغط الميداني قد يترجم لاحقا ضغطا سياسيا على أي محاولة لبنانية حقيقية لفرض سيادة الدولة على أراضيها وسلاحها».
المداولات الأخيرة داخل مجلس الأمن، والتي تخللتها إحاطتان من جينين – هينيس بلاسخارت وخالد خياري، أظهرت حجم التحدي الذي تواجهه الأمم المتحدة في مساعيها لتثبيت القرار 1701، الذي وإن أدى إلى انحسار القتال، إلا أن ما وصف بـ «الهشاشة» في الوضع الميداني لايزال يضع المنطقة على حافة الاشتعال، جراء عدم توافر الشروط الأمنية اللازمة لعودة المجتمعات المحلية على جانبي الخط الأزرق، كما أن الانتهاكات الإسرائيلية، من احتلال مواقع إستراتيجية إلى استخدام القوة، لا تهدد فقط الاستقرار، بل تقوض أيضا ما تبذله السلطات اللبنانية من جهود لتكريس سيادتها وتوحيد القرار الأمني.
ورأى المصدر الديبلوماسي أن «تأجيل معالجة ملف الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة يضعف حجة الدولة اللبنانية في الداخل، ويمنح خصوم مشروع الدولة ذريعة للاستمرار في تبرير امتلاك السلاح»، محذرا من أن «أي تلكؤ إسرائيلي في الانسحاب سيستخدم في الداخل اللبناني لتعطيل أي محاولة لتطبيق مفهوم الدولة الواحدة والسلاح الواحد».
أهمية تصريحات غوتيريش تكمن في الربط المباشر بين الواقع الميداني في جنوب لبنان ومستقبل الأمن الداخلي اللبناني، حيث تتقاطع تحديات الردع الخارجي مع معضلة السلاح غير الشرعي في الداخل. تحذيره من أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي قد يغذي خطابات سياسية داخلية تضعف مسار احتكار الدولة للسلاح، هو تلميح واضح إلى صعوبة الوضع اللبناني الذي يتغذى على التعقيد الإقليمي. في المقابل، رحب التقرير بإشارات لبنانية إيجابية، أبرزها التزام الدولة بإخضاع كل الأسلحة لسيادتها وصوغ إستراتيجية أمنية وطنية، في خطوة قد تشكل قاعدة لأي تسوية داخلية مستقبلية.
وبحسب المصدر نفسه، فإن «الرهان حاليا يجب أن يكون على تفعيل الآلية الخماسية برعاية فرنسا والولايات المتحدة، كونها القناة الوحيدة القادرة على ضبط التوترات الميدانية ومنع الانزلاق نحو حرب شاملة»، لافتا إلى أن الاجتماعات المنتظمة لهذه الآلية «تسمح بإبقاء الحد الأدنى من التواصل غير المباشر بين بيروت وتل أبيب».
الواقع الميداني كما عرضه تقرير الأمم المتحدة، الذي أشار إلى وجود أكثر من 7500 جندي لبناني في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني، وتفكيك عشرات البنى العسكرية غير المشروعة، يعكس نية الدولة بسط سيادتها. إلا أن هذا الجهد يصطدم عمليا باستمرار الاحتلال الإسرائيلي وتراجع هامش حرية «اليونيفيل» في الحركة، ما يفتح الباب أمام حوادث قد تشعل الوضع في أي لحظة.
الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، ومحاولات كل جانب فرض وقائع جديدة، تكشف أن لا الطرفين جاهزان لوقف دائم لإطلاق النار، ولا المناخ الإقليمي مؤهل لتسوية حقيقية.
وأشار المصدر إلى أن «اليونيفيل تواجه تحديات غير مسبوقة في التنقل، وخصوصا في المناطق التي شهدت تصعيدا أخيرا، وهذا ما يقوض قدرتها على تنفيذ مهمتها الأساسية في مراقبة وقف الأعمال العدائية»، مضيفا أن «تكرار حوادث إطلاق النار واستهداف أفراد القوة، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من جهات محلية، يعكس تآكلا تدريجيا للبيئة الحاضنة للبعثة الدولية».
في المقابل، تأتي الإشارة الأممية إلى سورية كعامل محتمل لتحسين الوضع في لبنان، في وقت يتطلع فيه المجتمع الدولي إلى تسوية في دمشق تفتح الباب أمام عودة اللاجئين السوريين بشروط الكرامة والضمانات القانونية. لكن هذا التفاؤل يصطدم، بدوره، بعقبات سياسية وقانونية معقدة.
ويختم المصدر بالتأكيد على أن «التحول الإيجابي في سورية قد يفتح نافذة للبنان لتقليص أعباء النزوح، لكن أي حل لا يضمن الضمانات القانونية ويكرس مبدأ عدم الإعادة القسرية، سيظل منقوصا وغير مستدام».
في المقابل، شدد على أن «تجديد تفويض اليونيفيل في الأسابيع المقبلة سيكون اختبارا لقدرة المجتمع الدولي على حفظ التوازن جنوب لبنان، وسط خطر متزايد لانفجار أمني لا يحتاج سوى لخطأ تكتيكي واحد».