المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 26 نيسان 2024 14:53:36
تشكِّل موازنتا العامين 2023 و2024 الأدلة الدامغة بالنسبة للسلطة السياسية، على نهج إصلاحها المزعوم. وضمن هذا السياق، سيتم التحضير لموازنة العام 2025، بعد أن وجّهَ وزير المالية يوسف خليل، تعميماً للوزارات للمباشرة بإعداد مشروع موازنة العام المقبل.
وكان يمكن التحضير، من دون ضجيج، لموازنة ستكون مصبوغة بصورة البلد المأزوم شكلاً ومضموناً، وحينها ستُضاف إلى ما سبقها من موازنات. لكن الإصرار على اعتبار الموازنتين الأخيرتين "موازنتين تصحيحيّتين"، والتمنّي باتخاذهما مثالاً أعلى لتحضير موازنة "إصلاحية"، يستدعي الغوص في التفاصيل لتبيان أن الموازنات المقصودة ليست سوى شهادات على سوء الأداء.
التوجّه الإصلاحي المزعوم
تستند الإصلاحات في موازنتيّ العامين 2023 و2024 على خفض النفقات وتقليص حجم الدين العام، ومن المنتظر أن تسير موازنة 2025 على النهج ذاته. لكن فعلياً، التوازن بين النفقات والإيرادات هو توازن وهمي لأن نسبة كبيرة من النفقات أُخرِجَت من الموازنة، وعلى رأسها نفقات قطاع الكهرباء. كما أن الدولة لا تنفِّذ الأعمال المناطة بها، وهذا يقلِّص إنفاقها على المشاريع. فضلاً عن أن هذا التقليص لم يغيِّر واقع أن نحو نصف الإنفاق في الموازنة يذهب لأجور ورواتب القطاع العام، وهو أمر سلبيّ جداً.
ويرى الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أن "ما يُحكى عن إصلاحات في موازنة 2024 ليس إصلاحاً فعلياً. فخفض النفقات تمّ حسابياً وسط عدم إعارة الانتباه لضرورة زيادة النفقات الاستثمارية". أما خفض أرقام الدين العام، فتزامَنَ مع "انهيار سعر صرف الليرة، الأمر الذي قلَّصَ حجم الديون، لكن ذلك تمَّ على حساب أموال المودعين"، وفق ما يقوله عجاقة لـ"المدن".
وتصحيح الخلل المتمثِّل بعدم زيادة النفقات الاستثمارية، ألقاه خليل على عاتق موازنة 2025، كاشفاً أن "مشروع الموازنة يلحظ توجهاً واضحاً نحو تعزيز الإنفاق الاستثماري، الذي من شأنه إعادة العجلة الاقتصادية". وزيادة الإنفاق، مهما كان نوعه، يحتاج إلى تمويل، أي إلى إيرادات تسجّلها الموازنة العامة، وتأتي الإيرادات عبر الضرائب والرسوم.
الأمن واللايقين
الإيجابية التي يتعامل بها خليل مع موازنة 2025، يقابلها عدم يقين لدى البنك الدولي وصندوق النقد، لأن الإصلاحات المطلوبة للمساعدة في الخروج من الأزمة، لم تُنَفَذ. وبالتوازي، فإن المعطيات السلبية السائدة اليوم، لا تدعم وضع موازنة إصلاحية تكمل طريق الموازنات التصحيحية. فنسبة النمو الاقتصادي خلال العام الجاري، مقدّرة بـ0.5 بالمئة، والأوضاع الأمنية غير المستقرة "تؤثّر على الإيرادات"، مما قد يرتِّب عجزاً "يهدّد الاستقرارين المالي والنقدي"، بحسب خليل.
والخوف من الأوضاع الأمنية في المنطقة وتأثيرها، أمر جدّي، إذ لا يقف عند لبنان، بل ينسحب على اقتصادات الدول العربية. فالتداعيات تُقلِق اتحاد المصارف العربية، ما استدعى عقد مؤتمر في بيروت بعنوان "الأمن الاقتصادي العربي في ظل المتغيرات الجيوسياسية". وفي ظل عدم الوضوح حيال الحرب وتداعياتها، من غير المستبعد استمرار الحرب حتى العام 2025، ما يعني أن الاقتصاد اللبناني سيتأثّر بصورة أكبر.
وبالنسبة للأمين العام لاتحاد المصارف العربية وسام فتوح، فإن "الأمن الاقتصادي لا يتعلق بالاستقرار المالي أو مقاييس النمو فحسب، فهو يشمل رؤية شاملة تضمن رفاهية مجتمعاتنا وقدرتها على الصمود". أما رئيس مجلس ادارة اتحاد المصارف العربية محمد الأتربي، فيرى أنه "من أجل تحقيق اقتصاد عربي مزدهر وآمن، يتعين على صنّاع القرار العرب أن يعطوا الأولوية للإصلاحات التي تعزز الشفافية والمساءلة والنمو الشامل، مع تعزيز الحوار والتعاون بين القطاعين العام والخاص لإغتنام الفرص المشتركة"، وعلى المستوى اللبناني، لا تتوفَّر هذه الشروط ولا تقيم السلطة السياسية وزناً لها، بل تركِّز فقط على الأرقام في الموازنات.
الحلول ممكنة وضرورية
يجزم البنك الدولي من خلال تقرير أعدّه المرصد الاقتصادي للبنان، أنه في ظل الأوضاع غير المستقرة في المنطقة "ما لم يتم تنفيذ خطة شاملة لحل الأزمة في لبنان، فلن تكون هناك استثمارات طويلة الأجل ومجدية، وسيعاني لبنان مزيداً من التآكل في رأسماله المادي والبشري والاجتماعي والطبيعي".
هذه الخلاصة تستدعي ورشة عمل سريعة تقوم بها الحكومة لاستدراك الوضع، ومنع الانزلاق نحو الأسوأ في الفترة الممتدة بين منتصف العام الجاري وبداية العام المقبل. ما يعني أن على موازنة العام 2025 أن تكون استثنائية بإصلاحاتها الجدية، التي يفترض أن تنطلق بنظر عجاقة من "معالجة الدين العام واعتماد المكننة في الدولة بعد تصغير حجم القطاع العام، وهذا يساعد في وقف الفساد. فضلاً عن لحظ الشراكة بين القطاعين العام والخاص داخل الموازنة الجديدة، والبحث عن طريقة لزيادة الإيرادات عبر التعاقد مع شركات خاصة لاستثمار عملية تنفيذ الأشغال العامة. بالإضافة إلى معالجة ملف الكهرباء من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص".
ومع أن الحلول موجودة، إلاّ أن التنفيذ غائب. بل تصرّ السلطة السياسية على "السير بالسياسات السابقة نفسها". وهذا يعني أن المعطيات التي ستُأسَّس عليها موازنة 2025 غير مطمئنة، فيما تعقِّد الحرب الأمور.
وفي ظل موازنة غير إصلاحية، فإن ما يتعلّق بأموال الإعمار بعد الحرب، سيبقى ضبابياً "فحتى لو أعطتنا الدول أموالاً للإعمار، يجب أن تدخل في الموازنة العامة، ومن غير المقبول صرف أي ليرة من خارج الموازنة". وفي حال الإصرار على السياسات نفسها في الموازنة المقبلة، فإن استمرار الحرب خلال النصف الثاني من العام الجاري، يعني وفق تصنيف وكالة ستاندرد آند بورز، أن لبنان معرَّض لـ"خسائر بنحو 1.6 مليار دولار من إيرادات القطاع السياحي، وبنحو 6 بالمئة من الاحتياطي الأجنبي ونحو 9.8 بالمئة من الناتج المحلّي". فهل ستكون السلطة على قدر المسؤولية وتعبِّر عن ذلك بموازنة مختلفة للعام 2025؟