المصدر: المدن
الاثنين 29 تشرين الثاني 2021 19:38:03
كتب نادر فوز في المدن:
لا يزال ميزان ملف انفجار مرفأ بيروت متأرجحاً على تعقيداته السياسية. لا تقدّم أو تراجع سياسي فيه، بانتظار ما قد يصدر عن الجهات القضائية هذا الأسبوع، حول استعادة نشاط المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، بفعل القرار المرتقب للتراجع عن قرار كفّ يده، الصادر خارج الصلاحيات والتكليفات. لكن سياسياً، يبدو أنّ ملف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وموقع القاضي البيطار بدأ يتّخذ حجماً أكبر من حيّز التسويات. كأننا في بازار وعروض ومزايدات. وعلى ما يبدو عرض جديد تلقتّه الرئاستان الأولى والثالثة، والجهات السياسية التي تتبنّى موقف فصل السلطات، من أجل القيام بالضغط اللازم للإطاحة بالبيطار أو أقلّه لحرف تحقيقاته المتعلّقة بالسياسيين.
"كلمة منك"
سرّبت مجالس سياسية، جانباً من الحديث الذي دار بين الرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه برّي ونجيب ميقاتي الأسبوع الماضي. كان الرؤساء الثلاثة في سيارة الرئاسة الأولى متوجّهين إلى قصر بعبدا بعد انتهاء الاحتفال بعيد الاستقلال. سأل الرئيس برّي إن كان أحد مستشاري الرئيس عون موجوداً في بعبدا، فأجاب الأخير بالنفي. وعاد برّي وطلب من الرئيس عون التدخّل قائلاً "قل له إنه بكلمة واحدة منه يمكن أن يحلّ الأزمة". فردّ عون إنه تمّ "إقفال الغرفة السوداء في القصر"، في إشارة منه إلى الاتهام الذي طال فريق عمله ومستشاريه بأنهم يديرون التحقيق و"يمونون" على القاضي طارق البيطار وسواه من المراجع القضائية.
مقايضات وتسويات
أجواء الرئيس عون لا تزال تصرّ على عدم التدخّل في التحقيقات، ومبدأ فصل السلطات. هو موقف علني وداخل المجالس المقرّبة من بعبدا أيضاً، على الرغم من كل ما يشاع عن العروض التي تلقّاها هذا الفريق لتقديم تنازل "قبع" البيطار أو كف يده حيال السياسيين المدعى عليهم. في البدء كانت طرح مقايضة "رأس" البيطار بجلسات الحكومة، ثم باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي. ووصل الأمر اليوم إلى اقتراح إتمام مطالب التيار الوطني الحرّ على مستوى الانتخابات وموعدها والشق المتعلّق بانتخاب المغتربين. لكن كل هذا يبقى إلى الآن كلاماً بكلام. وفي هذا الإطار، قد تحاول بعض الجهات السياسية الفاعلة مسك التيار من يده الضعيفة: المستقبل السياسي لرئيسه، الوزير السابق جبران باسيل.
الموت السريري
بعيداً عن نقاشات المجالس والغرف الضيّقة، ملف التحقيق في جريمة 4 آب لا يزال في الموت السريري، بفعل التعطيل المُحكم الذي فرضته طلبات الردّ من جهة وقرار القاضي حبيب مزهر من جهة أخرى. ولا تزال تعويذة فكّ سحر التعطيل بيد محكمة الاستئناف، وتحديداً رئيسها الأول القاضي حبيب رزق الله. فقرار التراجع عن قرار مزهر بكفّ يد البيطار، على ما يبدو لن يتمّ اتخاذه بقرار فردي من قبل قاضٍ أو قاضية وحيدة. لذا يكون دور القاضي رزق الله أكبر على هذا المستوى. إذ تقع من ضمن مسؤولياته إما الدفع باتجاه إصدار هذا القرار أو تشكيل هيئة لإصداره. وهو الأمر الذي لم يحصل منذ أسبوع، وتحديداً من 23 تشرين الجاري، يوم صدر قرار رزق الله بفصل الملفين 69 (طلب ردّ البيطار) و72 (طلب ردّ القاضي نسيب إيليا).
الضغط المستمرّ
وعلى الرغم من الكفّ المستمرّ ليد البيطار وتعطيل التحقيق منذ 4 تشرين الثاني، لا تزال الضغوط السياسية والحملات مستمرة أيضاً على المحقق العدلي. القنص على البيطار من باب الاستنسابية والتسييس قائم، وهذه المرة إشارة إلى استبعاده قيادة الجيش وضباطها من مرمى التهديف. ولمن غفله الأمر، سبق للبيطار أن استوجب قائد الجيش السابق جان قهوجي ومدير المخابرات السابق كميل ضاهر والضابطين الرفيعين من القيادة العسكرية السابقة العميدين جودت عويدات وغسان غرز الدين المدعى عليهم في الملف. استوجب البيطار جميع هؤلاء منتصف أيلول الماضي، وحدّد لهم جلسات استجواب إضافية يوم 27 و28 أيلول الماضي. إلا أنّ التحقيق توقّف بعد جولة أولى من طلبات الردّ ودعاوى الارتياب المشروع التي تقدّم بها كل من الوزيرين السابقين نهاد المشنوق ويوسف فنيانوس. ثم كانت جولة تعطيل ثانية مطلع تشرين الأول، وثالثة في الأسبوع الأخير منه.
القاضي طارق البيطار، متّهم أنه محسوب على فريق رئيس الجمهورية. ثم اتّهم أنه يعمل لصالح رئيس حزب القوات اللبنانية. ومؤخراً قيل إنه مدعوم من سفارات وسفيرات. فَسَرَت في أوساط العدلية طُرفة تقول إنّ السفارة الأميركية قد تنقل مقرّ سفارتها إلى بلدة عيدمون العكارية الصغيرة مسقط رأس البيطار. هَزُلت.