التحول الرقمي في لبنان ينتظر التمويل 55٪ من معاملات "الاقتصاد" إلكترونية... و"هوية رقمية" قريبا

المكننة والتحول الرقمي، مصطلحان كثر استخدامهما في الآونة الأخيرة من المنظمات غير الحكومية المحلية والجهات المانحة الدولية. قد يخيل للبعض أنهما مترادفان، لكنهما في واقع الحال مختلفان ولا يجمعهما سوى أنهما من الأدوات الفعالة في محاربة البيروقراطية التي تعوق إنجاز المعاملات في الإدارة اللبنانية، وفي الحد من فساد بعض الموظفين في الوزارات ومرافق الدولة الحيوية، حيث يحتك المواطن بالموظف يوميا آملا تسيير معاملته التي تستغرق أياما وربما أشهرا.

فالمكننة تقتصر على ربط المكاتب والأقسام ضمن أي إدارة أو وزارة في ما بينها عبر "سيرفر" موحد، في حين أن التحول الرقمي هو وضع جميع بيانات الوزارات والمرافق العامة على منصة موحدة بما يسهل تبادل المعلومات في ما بينها، وإتاحة الفرصة أمام المواطنين لتسيير معاملاتهم عن بعد من ألفها إلى يائها، بما يتماشى مع تطورات العصر.

وبغية إرساء هذه القواعد، أنشئت وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية منذ نحو 25 سنة تزامنا مع تطور علوم التواصل عبر الإنترنت. وعلى الرغم من إنشائها، ثمة بطء في تقدم الملف لأسباب شتى، أبرزها غياب الاستمرارية في التمويل المؤمن غالبا من جهات أجنبية، وربما غياب النية لحذو المعنيين هذا النهج.

أخيرا، وفي سياق خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الاقتصاد والتجارة، وتعزيزا لسياسة إصلاح الإدارة ومكافحة الفساد، أعلن وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام أنه "أصبح في إمكان جميع مستوردي المواد الغذائية إنجاز معاملاتهم أونلاين". واعتبر "أن إنجاز المعاملات إلكترونيا أصبح حاجة ضرورية في الإدارات، ليس فقط لمواكبة التطور التكنولوجي، بل أيضا لمحاربة الفساد وتسيير معاملات المواطنين، خصوصا أن بعض الإدارات العامة تعاني نقصا في الموظفين".

"منذ نحو 3 أشهر أطلق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من السرايا الحكومية مكننة مديرية حماية المستهلك، وبذلك صار أكثر من 22 معاملة، أي 40% من مجمل معاملات وزارة الاقتصاد تنجز عن بعد"، وفق ما يقول سلام لـ"النهار". ويضيف: "نجحنا في بدء تسلم معاملات الاستيراد والتصدير إلكترونيا، ما رفع نسبة المعاملات المنجزة عبر الموقع الى نسبة 55%، إذ إن عدد هذه المعاملات يفوق الـ 12، ونحن الآن نعمل بالتعاون مع الجهات المانحة، لا سيما مشروع الأمم المتحدة الإنمائي UNDP))، لتصبح نسبة المعاملات المنجزة إلكترونيا بين 75% و100%".

ويشير سلام إلى أن إنجاز معاملات التصدير والاستيراد عن بعد سرّع عملية استيراد البضائع بنسبة لا تقل عن 30٪، "وهذا الأمر في غاية الأهمية خصوصا في حالة الطوارئ التي نعيشها جراء إمكان توسع الحرب".

إلا أن إنجاز المعاملات إلكترونيا لا يسري على استيفاء الرسوم والطوابع، إذ يؤكد سلام أن هذه العملية تتم في أحد مراكز الدفع المعتمدة كالـomt وغيرها في مرحلة ما بعد إنجاز المعاملة، لافتا إلى أن "وزارة الاقتصاد سعت في موضوع الطابع الإلكتروني، ولكن اتضح لنا أنه لا يمكن اعتماده في وزارتنا فقط، أي دون تعميمه على كل مرافق الدولة. وطرحنا هذا الموضوع أكثر من مرة في جلسات مجلس الوزراء، إذ إن حل هذه المسألة يعجل في عملية إنجاز المعاملة، ولا يجبر أصحاب المعاملات على القدوم إلى الوزارة ولا حتى لمرة واحدة".

وبالحديث عن التعاون مع وزارة شؤون التنمية الإدارية يقول سلام: "الوزارة الأم في ما يخص رقمنة المعاملات هي وزارة شؤون التنمية الإدارية التي نتواصل معها بصورة دورية، لكن الحقيقة أن هذا المشروع ثمرة جهد فردي إداري من مديرية الاقتصاد، وبتمويل لم يتخط الـ100 ألف دولار".

العائق مالي بامتياز!

ماذا عن خطط وزارة التنمية الإدارية في مجال التحول الرقمي؟ تؤكد وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية نجلا رياشي أن "العائق الأبرز أمام تفعيل الإستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي 2020-2030 مالي بامتياز، إذ إن التمويل توقف كليا منذ سنة 2019". وتضيف: "ميزانية الدولة لا تكفي للتحول الرقمي الذي يقضي على الفساد، وسبيلنا الوحيد للولوج إلى مرحلة تفعيل هذه الإستراتيجية هو تبيان صدقيتنا أمام الجهات الدولية المانحة".

وبحسب ما تقول رياشي لـ"النهار" فإن "تفعيل هذه الإستراتيجية يجب أن يتزامن مع تعديلات على بعض القوانين، كما على المجلس النيابي سن بعض القوانين المنصوصة والمفصلة في نص الإستراتيجية، كقانون المشتريات الإلكترونية وقانون الحكومة الرقمية وقانون حماية البيانات وغيرها.

وفيما تقدّر أنه حتى في حال إقرار هذه القوانين والتعديلات وأمن التمويل الكافي، سيستغرق التحول الرقمي في لبنان سنتين على الأقل، تكشف أن أول بنود الخطة التنفيذية للإستراتيجية التي ستصدر قريبا، هو إنشاء "هوية رقمية" لأي مواطن وأي شخص معنوي على الأراضي اللبنانية".

من المعروف أن دول الخليج نجحت في تطبيق الـ e-government، ولكن إذا بحثنا عن أسماء المهندسين الذين اعتمدوا هذا النظام في تلك الدول، نجد أن بعضهم لبنانيون، فهل يعقل أن المساهم في تحولات الدول الرقمية خريج بلد لا يزال يعاني شبح البيروقراطية في معظم إداراته ومؤسساته؟