التحوّل نحو الجبهة الشماليّة...اسرائيل: وقف إطلاق النار في غزة يجب أن يُقلِق حزب الله

نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيليّة تقريرًا جديدًا قالت فيه إنّ "وقف إطلاق النار في قطاع غزّة يجب أن يُقْلِقَ حزب الله في لبنان"، لأنّ هذا التطوّر غيّر ميزان التركيز العسكري الإسرائيلي. فبعد وقف القتال في غزّة، بات لدى الجيش الإسرائيلي "وقتًا كافيًا وقوّة بشريّة وذخائر وقدرات عمليّاتية" تسمح له بتحويل جهوده نحو الجبهة الشماليّة، وتعزيز الضغط على حزب الله في لبنان.

وبحسب "معاريف"، تستفيد المؤسّسة العسكريّة الإسرائيليّة من الهدوء النسبي في غزّة لتكثيف نشاطها على الحدود اللبنانيّة وفي العمق اللبناني، عبر مسارين متوازيَيْن: ضرب البنى التحتيّة العسكريّة لحزب الله، واستهداف كوادره الميدانيّة والقياديّة. وخلال الأسبوعين الأخيرَيْن من تشرين الأوّل/أكتوبر، نفّذ الجيش الإسرائيلي سلسلة ضربات تقول إسرائيل إنّها موجّهة إلى قدرات الحزب، لا إلى أهداف مدنيّة.

استهداف البنى التحتيّة

تقول الرواية الإسرائيليّة إنّ الجيش الإسرائيلي ركّز على حرمان حزب الله من القدرة على ترميم أو تطوير بناه العسكريّة. وفي هذا السياق، سُجِّلت جملة من الضربات المعلَنة:

في 2 تشرين الأوّل/أكتوبر، هاجم الجيش الإسرائيلي آليّة هندسيّة قال إنّ حزب الله كان يستخدمها لإعادة ترميم بنى تحتيّة عسكريّة في منطقة بليدا جنوب لبنان.
في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر، أعلن الجيش أنّه قصف بنى تحتيّة تحت الأرض خُزِّنت فيها أسلحة في منطقة البقاع وجنوب لبنان. وفي اليوم نفسه، استُهدِف مقلع حجارة اتُّهِم الحزب باستخدامه لإنتاج الإسمنت بغرض إعادة بناء منشآت وبنى تحتيّة عسكريّة دُمِّرت خلال "حرب السيوف الحديديّة"، ولا سيّما في أثناء "عمليّة سهام الشمال".
كما استُهدِف، في 16 تشرين الأوّل/أكتوبر أيضًا، موقع تابع لمنظّمة "أخضر بلا حدود" التي تتّهمها إسرائيل بأنّها "غطاء مدني لإخفاء وجود حزب الله" على طول الحدود.
في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، قالت الفرقة 91 في الجيش الإسرائيلي إنّها دمّرت مبنىً عسكريًّا تابعًا لحزب الله في قرية يارون، وُصِف بأنّه مثّل "تهديدًا للقوّات الإسرائيليّة".
في 20 تشرين الأوّل/أكتوبر، تحدّث الجيش عن استهداف بنى تحتيّة في منطقة النبطيّة.
وفي 23 تشرين الأوّل/أكتوبر، أعلن أنّه قصف معسكرًا عسكريًّا وموقعًا لإنتاج الصواريخ الدقيقة في منطقة البقاع وشمال لبنان. وبحسب البيان الإسرائيلي، كان هذا المعسكر يُستَخدَم لتدريب عناصر من حزب الله على تنفيذ عمليّات ضدّ إسرائيل، كما جرى قصف موقع عسكريّ آخر في منطقة شربين في شمال لبنان، ومخزن أسلحة في جنوب لبنان.

الهدف المعلن من هذا النمط من الضربات، بحسب "معاريف"، ليس فقط تدمير مواقع قائمة، بل منع حزب الله من إعادة بناء ما دمّرته إسرائيل سابقًا، خصوصًا بعد جولات التصعيد السابقة.

عمليّات التصفية والاغتيال

المسار الثاني الذي يسلّط عليه التقرير الضوء هو تصفية عناصر وقياديّين ميدانيّين في حزب الله، وخصوصًا المرتبطين مباشرة بعمليّات إعادة التأهيل العسكري. وتعتبر المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة أنّ "ضرب الأشخاص المعرّفين كمفاصل لوجستيّة وميدانيّة" يوازي في أهمّيّته ضرب البنية التحتيّة نفسها.

في 12 تشرين الأوّل/أكتوبر، أُعلِن عن مقتل عنصر من حزب الله قيل إنّه كان يعمل على ترميم بنى تحتيّة عسكريّة في جنوب لبنان.
في 17 تشرين الأوّل/أكتوبر، قُتِل عنصر آخر خلال ما وُصِف بأنّه "محاولة لإعادة بناء قدرات الحزب العسكريّة" في خربة سلم.
في 18 تشرين الأوّل/أكتوبر، تحدّثت المصادر الإسرائيليّة عن تصفية عنصر حاول ترميم بنى تحتيّة للحزب في جنوب لبنان.
في 22 تشرين الأوّل/أكتوبر، قُتِل قائد فصيل في وحدة "الرَّضوان"، قيل إنّه كان مسؤولًا عن نقل الأسلحة داخل لبنان.
في 24 تشرين الأوّل/أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي تصفية "مسؤول اللوجستيات في جبهة الجنوب" في حزب الله، وهو الشخص الذي وُصِف بأنّه أشرف على إعادة بناء القدرات العسكريّة للحزب، وعلى إدارة تخزين السلاح في جنوب لبنان.
في 25 تشرين الأوّل/أكتوبر، قُتِل قائد في منظومة مضادّات الدروع في كتيبة تابعة لقوّة "الرَّضوان"، ونُسِب إليه دور في إعادة تأهيل البنية العسكريّة في الجنوب.

وفي 26 تشرين الأوّل/أكتوبر تقريبًا، تحدّثت الرواية الإسرائيليّة عن اغتيال أربعة أشخاص إضافيّين:
زين العابدين حسين فتوني، وُصِف بأنّه "قائد في منظومة مضادّات الدروع"،
محمد أكرم عربية، الذي قُدِّم بصفة "قائد في القوّة الخاصة لوحدة الرَّضوان"،
عبد محمود السيّد، الذي سُمِّي "مسؤول تنسيق ميداني في منطقة الناقورة"،
وعلي حسين الموسوي، الذي قيل إنّه "تاجر أسلحة بارز ساعد في إعادة تسليح الحزب".

يقدَّم هذا النهج على أنّه جزء من خطّة أوسع لشلّ قدرة حزب الله على التعافي الميداني السريع، ومنعه من تثبيت وقائع عسكريّة جديدة قرب الحدود.

التحوّل نحو الجبهة الشماليّة

وفق مصادر في المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة، "باتت الاستخبارات الإسرائيليّة تمتلك رؤية شبه كاملة بشأن نشاط حزب الله"، إلى درجة أنّ الحزب أصبح "شبه شفاف" أمام الرصد. هذه المصادر تقول أيضًا إنّ وقف إطلاق النار في غزّة أتاح لإسرائيل "تحويل مواردها العسكريّة والاستخباريّة إلى الجبهة الشماليّة"، بما يشمل زيادة وتيرة الضربات الجويّة ضدّ أهداف داخل لبنان، وتشديد المراقبة على تطبيق "التفاهمات الأمنيّة مع الحكومة اللبنانيّة".

هذا التحوّل يعني، بحسب القراءة الواردة في التقرير، أنّ الضغط على حزب الله ليس ظرفيًّا ولا تكتيكيًّا فقط، بل يميل إلى أن يكون مستمرًّا وطابعه استنزافي، مستفيدًا من أنّ الجنوب اللبناني بات ساحة مفتوحة نسبيًّا أمام المسيّرات والاستطلاع.

تقدير لوضع حزب الله داخليًّا

إلى جانب العامل العسكري، تقول "معاريف" إنّ حزب الله يواجه ضغوطًا سياسيّة واجتماعيّة متراكمة داخل لبنان. ويَعتبر التقدير الإسرائيلي أنّ الحزب "محشور في الزاوية وظهره إلى الحائط"، للأسباب الآتية:

أوّلًا، تُشير الصحيفة إلى أنّ الحكومة اللبنانيّة، "برعاية أميركيّة"، تعمل على مسار هدفه الحدّ من سلاح الحزب وضبط حضوره العسكري قرب الحدود.
ثانيًا، تُشير إلى أنّ صورة الحزب "تتراجع وسط الرأي العام اللبناني"، ليس فقط بين خصومه، بل "حتى داخل بيئته الشعبيّة وفي داخل الطائفة الشيعيّة نفسها"، بسبب الخوف من انزلاق لبنان إلى مواجهة شاملة جديدة.
ثالثًا، تسوق الصحيفة مؤشّرًا اقتصاديًا ـ اجتماعيًا تعتبره معبّرًا، وهو "الانخفاض الحادّ في أسعار الشقق في ضاحية بيروت الجنوبيّة"، مع تزايد خشية السكان من احتمال تجدّد القصف الإسرائيلي لمناطق تُعتبر معاقل أساسيّة للحزب.

وتضيف الصحيفة عنصرًا ضاغطًا آخر من خارج لبنان: تقول إنّ هناك اتجاهًا في الساحة السوريّة يقيّد حركة الحزب ويعرقل ما تصفه إسرائيل بأنّه "محور الشرّ الإيراني" الممتدّ "من إيران وصولًا إلى لبنان". ويُشار في هذا السياق إلى تضييق من قوى محليّة في سورية، يوصف بأنّه يستهدف الحدّ من هامش تحرّك الحزب.

مخاوف من انفجار واسع

برغم هذا الضغط المركَّب، لا تفترض المؤسّسة الأمنيّة الإسرائيليّة أنّ حزب الله سيتراجع تلقائيًّا. على العكس، يحذّر التقرير من أنّ الحزب "لا يزال قادرًا على خطوة قد تهزّ المنطقة كلّها وتُقَوِّض النظام الذي تحاول الولايات المتحدة بناءه هنا". وتُطرَح ثلاثة سيناريوهات أساسيّة:

الأوّل، شنّ هجوم على "خطّ المواقع" الإسرائيليّة في مزارع شبعا، التي تسميها إسرائيل "جبل دوف"،
الثاني، محاولة السيطرة على بلدات حدوديّة مثل "أفيفيم" أو "يرؤون" أو "حنيتا"، ولو بشكل موضعي لرفع منسوب الضغط السياسي والأمني،
الثالث، تنفيذ إطلاق صواريخ نحو العمق الإسرائيلي "وخصوصًا ضدّ منشآت استراتيجيّة"، بما يضع المنشآت الحيويّة في حالة إنذار دائم.

بهذا المعنى، يخلص تقرير "معاريف" إلى أنّ وقف إطلاق النار في غزّة لم يؤدِّ إلى خفض التوتّر على الحدود اللبنانيّة ـ الإسرائيليّة، بل سمح لإسرائيل بإعادة توجيه مواردها وتركيزها نحو الشمال. ووفق القراءة المطروحة، فإنّ التهدئة في غزّة رفعت المخاطر في لبنان بدل أن تخفّفها، وفتحت الباب أمام مرحلة عنوانها الأساسي "تصعيد محسوب، لكن قابل للاشتعال".