المصدر: الجمهورية
الكاتب: رنا سعرتي
الخميس 24 كانون الاول 2020 08:50:40
أُزيلت العوائق القانونية مبدئياً امام «ألفاريز أند مارسال» التي أبدت استعدادها للعودة الى لبنان واستئناف مهام التدقيق الجنائي التي كلّفتها بها حكومة تصريف الاعمال في تموز الماضي، وتعرقلت نتيجة قانون السرّية المصرفية والتذرّع به أو الاحتماء به، لعدم تسليم الشركة المعلومات والبيانات التي تخوّلها إتمام عملية التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. لكن هل تعود «ألفاريز» هذه المرّة، بعقد وشروط جديدة، أم أنّها ستتابع عملها وفقاً لبنود العقد السابق؟ وهل يكفي تعليق قانون السرّية المصرفية مدّة عام، لإجراء التدقيق الجنائي في كل الوزارات والادارات العامة والصناديق؟
بعدما وقّع رئيس مجلس النواب امس قانون تعليق العمل في احكام قانون السرّية المصرفية الصادر بتاريخ 3-9-1956 لمدة سنة واحدة، ترأس رئيس الجمهورية ميشال عون امس، اجتماعاً مالياً حضره وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، مستشار الرئيس الوزير السابق سليم جريصاتي، ومدير عام القصر الجمهوري أنطوان شقير، خُصّص للبحث في مسار التدقيق الجنائي.
وأعلن وزني بعد الاجتماع، أنّه «تقرّر استناداً الى قانون مجلس النواب وقرارات الحكومة، التواصل مع شركة «الفاريز أند مارسال» Alvarez & Marsal لمتابعة التدقيق الجنائي المالي في حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والصناديق والمؤسسات العامة، أياً تكن طبيعة هذه الحسابات».
وعن توقيت اعادة استلام شركة «ألفاريز أند مارسال» التدقيق الجنائي، أشار وزني الى «انّ التواصل مع الشركة سيبدأ اليوم (امس)»، لافتاً الى أنّها «أرسلت منذ 10 ايام رسالة الى مصرف لبنان أبدت فيها استعدادها لإعادة العمل مع الدولة اللبنانية، ومن المؤكّد أنّ القرار الذي اتُخذ بوجود الرئيس عون، اي اعادة التواصل مع الشركة، سيبدأ تنفيذه اليوم (امس)، وفور عودتي الى المكتب».
وفي هذا الاطار، اوضح رئيس الجمعيّة اللبنانيّة لحقوق المكلّفين المحامي كريم ضاهر لـ«الجمهورية»، انّه من المفترض ان يتمّ السير في عملية التدقيق الجنائي من خلال العقد الموقّع سابقاً مع «ألفاريز أند مارسال»، لأنّه في المراسلات الخطية بين وزارة المالية والشركة في المرحلة الفاصلة، حين اعلنت «ألفاريز» انّ مصرف لبنان لا يتعاون معها ولا يمدّها بالمعلومات الكافية لإتمام مهمّتها، كان تمّ الاتفاق ضمنياً بين الطرفين على تمديد المهلة 3 أشهر، الى حين ازالة العوائق، رغم انّ رئيس الشركة اعلن لاحقاً الانسحاب من المهمّة.
ورأى ضاهر، انّه مع صدور قانون تعليق السرّية المصرفية، «لم يعد هناك من عقبات تحول دون تسليم الشركة المستندات والبيانات التي تحتاجها لإتمام عملية التدقيق الجنائي»، معتبراً انّه من الافضل ان يتمّ السير بالعقد السابق، حيث انّ النطاق المحدّد ضمنه، والذي سيتمّ بموجبه التدقيق الجنائي، يشمل ليس فقط حسابات مصرف لبنان بل نظام الحوكمة أيضاً، أي طريقة الادارة في حال كانت سليمة او تتضمّن اخطاء ادارية. كما ويشمل الهندسات المالية، اصدار السندات وشهادات الإيداع، وغيرها من الصفقات المعقودة من قِبل او من خلال مصرف لبنان.
وفيما لفت الى انّ اطار العقد الشامل يسمح بأن يكون التدقيق الجنائي شاملاً أيضاً، أبدى ضاهر خشيته من توقيع عقد جديد في نطاق محصور «ومفصّل على قياس القانون الصادر أخيراً، بطريقة لا تتيح التوسّع بالتدقيق». وشرح انّ قانون تعليق السرّية المصرفية ينصّ على رفع السرّية مهما كانت الحسابات لغايات التدقيق الجنائي، «ولا لبس في هذه النقطة، حيث انّ السرّية المصرفية ستُرفع حتّى عن حسابات المصارف لدى مصرف لبنان، ولم يعد بالإمكان التذرّع بالمادة 151 التي لم تعد قائمة مع تعطيل قانون السرّية المصرفية».
في المقابل، أشار ضاهر، الى انّه في موازاة تعليق قانون السرّية المصرفية، يجب اقرار قانون رفع السرّية المصرفية عن الاشخاص الذين يوكلون مهام مرتبطة بالشأن العام، او الذين تربطهم أي علاقة بالشأن العام والمتعاقدين مع الدولة بعقود تلزيم، بالإضافة الى رؤساء الاحزاب والسياسيين واصحاب الوسائل الاعلامية، مشيراً الى انّ هذا القانون سبق وتمّ اقراره في مجلس النواب، لكن رئيس الجمهورية اعاده الى اللجان النيابية لقراءة ثانية.
وشرح أهمية إقرار هذا القانون في موازاة تعليق السرّية المصرفية لغايات التدقيق الجنائي، موضحاً انّه في حال تمّ التدقيق ليس فقط في حسابات مصرف لبنان والحساب رقم 36 بل ايضاً في حسابات المؤسسات العامة والمصالح المشتركة وسائر ادارات الدولة. واستوجب التدقيق على سبيل المثال في احد المشاريع التي تمّ تلزيمها بصورة أصولية وفق عقد للنفقات، وتمّ فتح اعتماد واجراء مناقصة وفقاً للاصول، ليتبيّن لاحقاً بعد عامين، انّه أُعيد تلزيم المشروع نفسه من جديد في وزارة ما. في هذه الحالة، يجب التدقيق ضمن تلك الوزارة بالأفراد النافذين الذين يمكن ان يكونوا متورطين في هدر المال العام، وذلك من خلال رفع السرّية المصرفية عنهم، للتأكّد من حصولهم على أي دخل مالي مشبوه خارج نطاق عملهم، «وهذا الامر غير وارد في حال لم يتمّ اقرار قانون رفع السرّية المصرفية عن كلّ من تعاطى او يتعاطى في الشأن العام».
وبالتالي، شدّد ضاهر على انّ اي شبهات قد يتوصّل اليها التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، والمرتبطة بأي ادارة او مؤسسة عامة، لا يمكن التأكّد منها او البتّ بها، في حال لم يكن قانون رفع السرّية المصرفية عن هؤلاء الافراد متاحاً. مشيراً الى انّ نجاح عملية التدقيق الجنائي بشكل كامل ونهائي يستوجب اقرار هذا القانون، للكشف عن الافراد الضالعين والمتورطين في عمليات فساد ومحاسبتهم.