المصدر: النهار
الكاتب: سابين عويس
الجمعة 28 شباط 2025 07:53:00
قبل أيام، زار رئيس الجمهورية جوزف عون مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وسلّم رئيس الهيئة كلود كرم، بحضور أعضائها، تصريح الذمة المالية، عنه وعن زوجته استناداً إلى قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحته رقم 175/2020. وسبقه إلى هذه الخطوة رئيس الحكومة نواف سلام لمناسبة توليه رئاسة الحكومة.
وتأتي خطوة رئيسي الجمهورية والحكومة في إطار الإعلان عن الثروة الشخصية قبل تولي منصبيهما، انطلاقاً من أن القانون الجديد يقضي بالتصريح عن الذمة المالية والمصالح ويلزم المسؤولين والموظفين بالمواقع الحساسة أن يصرّحوا عن كل أملاكهم ومداخيلهم وأوضاعهم المالية.
يأتي هذا القانون المعرّف عنه بـ"قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع" كثمرة لتعديل قانون الإثراء غير المشروع تحت الرقم ١٥٤ الصادر عام ١٩٩٩، أي بعد نحو عقد من طرحه أمام المجلس النيابي، وأسهمت انتفاضة ١٧ تشرين في تسريع خطوات مناقشته وإقراره في البرلمان كأحد الإجراءات الإصلاحية الأساسية لمكافحة الفساد وتكوين الثروات من خلال الإفادة من المنصب العام. لكن بالرغم من مرور خمسة أعوام على إقراره، والتزام غالبية المسؤولين في الحكومة أو النواب تقديم التصاريح بثرواتهم، لم يُطبق هذا القانون بعد في شكل سليم وعملي، ولم يؤدّ إلى الكشف عن تورّط أي شخصية في الشأن العام بالإفادة من المال العام أو الخاص أو استغلال المنصب لمنفعة خاصة، علماً بأنه في القانون بصيغته الجديدة، بات الإثراء غير المشروع جرماً مستقلاً، يُعرّف على أنه يمثل "كل زيادة كبيرة تحصل في لبنان والخارج بعد تولي الوظيفة على الذمة المالية لأي موظف عمومي (…) متى كانت هذه الزيادة لا يمكن تبريرها بصورة معقولة نسبةً لموارده المشروعة". لكن العقاب الذي لحظه القانون لم يكن صارماً بالشكل الكافي إذ يعاقب هذا الجرم بالاعتقال من ثلاث إلى سبع سنوات وبغرامة تراوح من ثلاثين مرّة إلى مئتي مرة الحد الأدنى الرسمي للأجور، أي بحفنة من آلاف الدولارات، بعد انهيار العملة الوطنية وتراجع القيمة الشرائية للأجور.
على الإيجابيات التي ينطوي عليها القانون الذي يقارب للمرة الأولى مسألة الإثراء غير المشروع الذي يعاني منه لبنان في شكل غير مسبوق، تبقى بعض مكامن الضعف التي تجعله هشاً وغير قابل لتحقيق الأهداف المرجوّة منه، مثل اعتماده سرية التصريح، بحيث يقلص من معيار الشفافية في عملية الإفصاح أمام الجمهور، فيما يبقى تطبيقه منقوصاً ما لم يترافق مع إصلاح للمؤسّسات القضائية لجهة ضمان استقلاليتها وتحررها من الانتماء والتبعية السياسية والحزبية، إذ تشوب القانون ازدواجية صلاحية الملاحقة بين القضاء العادي ومجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، ما يجعل من الصعب على القضاة توصيف الأفعال والإخلال بالوظيفة، ما يرفع نسبة التملص من المحاسبة وتحمّل المسؤولية.
من أبرز القضايا التي كشفت تعذر تطبيق القانون، قضية منع محاكمة ضبّاط من رتبة عميد وما فوق مدّعى عليهم بتهمة الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، عندما أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت بالإنابة بلال حلاوي قرارات بمنع محاكمة هؤلاء (على خلفية فضائح تلقّي رشى لتسهيل دخول طلّاب إلى الكلّية الحربية) بحجة مرور الزمن (٣ أعوام)، وهي الحجة ذاتها التي ارتكز عليها سلفُه شربل أبو سمرا في شبهة جرم الإثراء غير المشروع بحقّ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، بعدما امتنع القاضيان عن التزام القانون الجديد الذي يعتبر أن الإثراء غير المشروع لا يسقط بمرور الزمن، وذلك بذريعة أنّ الوقائع موضوع التحقيق قد حصلت قبل إقراره! وهذا الواقع يدفع إلى السؤال عن مسألة مرور الزمن ولا سيما بالنسبة إلى الارتكابات التي حصلت قبل إقرار القانون في ٢٠٢٠، ولا سيما أن غالبية الشبهات بالإثراء غير المشروع قد حصلت قبل هذا التاريخ!
وهذا يقود إلى السؤال الأهم، هل المجلس الدستوري يقوم بدوره في مراقبة ومواكبة تطور الثروات، أم أن الأمر بحسب ما كشف مصدر قضائي لـ"النهار"، يتوقف على وجود دعوى لتحريك النيابة العامة؟