المصدر: نداء الوطن
الثلاثاء 30 أيلول 2025 06:15:58
سجّل معدّل التضخم في لبنان في حزيران 2025، أدنى مستوى له منذ كانون الأول 2023، إذ بلغت نسبة التضخم استنادًا إلى مؤشر أسعار الاستهلاك 19.3 %، منخفضة من 21.2 % في أيّار 2025 و 121.6 % في حزيران 2024، ما يشكّل انخفاضًا بنحو 50 نقطة مئوية منذ كانون الأوّل 2024. وعلى أساس سنويّ، بلغ معدّل التضخم 15 % في حزيران 2025 مقارنة مع نسبة 41.8 % في حزيران 2024، ما يشير إلى استمرار الاتجاه الصعوديّ ولكن بوتيرة أبطأ في الأسعار.
يعكس الاتجاه الانحداري في التضخم منذ أوائل 2024 كما جاء في تقرير مصرف لبنان الـ "ماكرو اقتصادي" الاستقرار التدريجيّ في سعر الصرف، والتشدّد النقديّ والماليّ. بينما شهد التضخم في القطاعات الرئيسية مثل التعليم، والإسكان، والرعاية الصحية، والغذاء، انخفاضًا ملحوظًا، فإن استمراريّته تشير إلى أن العديد من الأسر لا تزال تواجه تحدّيات مالية.
ويشير التقرير نصف السنوي الصادر عن مصرف لبنان، إلى أن القطاعات التي شهدت زيادة في الأسعار سجّلت عدّة عناصر إنفاق وزيادات في الأسعار، ما يبرز التضخم المستمرّ، إذ تضغط الأوضاع على الخدمات الأساسية وتؤثر على ميزانيات الأسر.
أثّرت خسارة قيمة الليرة اللبنانية والدولرة شبه الكاملة للاقتصاد على الأسعار عبر القطاعات. وقد دفع انخفاض قيمة العملة منذ العام 2019 العديد من الشركات إلى تسعير معظم السلع بالدولار الأميركي. وشهد قطاع التعليم في لبنان زيادة حادّة في التكاليف بدءًا بتشرين الأول 2022، مع زيادة سنوية بنسبة 191.4 %، تلتها قفزة أكبر بكثير في تشرين الأول 2023 بنسبة 595.2 %. استجابة لتقلّبات سعر صرف الليرة اللبنانية، انتقل العديد من المؤسسات التعليمية الخاصة إلى فرض رسوم دراسيّة وتكاليف تشغيل بالدولار للحفاظ على الجدوى المالية. في كانون الأول 2024، تراجعت الزيادات السنوية إلى 31.3 %، وإلى 30.1 % في حزيران 2025، ما يشير إلى أن الرسوم الدراسية لا تزال أعلى، لكن وتيرة الزيادة تباطأت بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة. أيضًا، ظلّ الإنفاق العام على التعليم معتدلًا نسبيًا، ما دفع المؤسّسات لزيادة التكاليف والحفاظ على الجودة.
سجّلت نفقات السكن زيادات كبيرة في الأسعار في عامي 2023 و 2024، إذ بلغت ذروتها بنسبة 338.1 % على أساس سنوي في كانون الثاني 2024، وهو ما يتجاوز بكثير معدّل التضخم العام البالغ 177.3 % على أساس سنوي في ذلك الوقت. ولا يزال السكن مرتفعًا بنسبة 28.9 % على أساس سنوي في حزيران 2025، مدعومًا بالطلب القويّ من المقيمين والنازحين الذين يبحثون عن سكن مستقرّ. حافظت الإمدادات المحدودة من المساكن، وخاصة في المناطق الحضرية، على الضغط التصاعديّ على الأسعار عبر أسواق الملكية والإيجار، إذ بلغت معدّلات النمو السنوي 29.9 % لتكاليف الملكية و 22.5% للإيجارات في حزيران 2025.
الدوافع الرئيسية لتراجع التضخم
ينسب التباطؤ الذي يسجّل في التضخم إلى عوامل عدّة رئيسية. أوّلًا، أدّى التضخم المرتفع في عامي 2023 و 2024 إلى خلق تأثير كبير يبرز الانخفاض الملحوظ في الأسعار على أساس سنويّ. ومنذ منتصف عام 2023، استقرّ سعر صرف الليرة اللبنانية عند 89,500 ليرة لبنانية لكل دولار، ما حدّ من تدهور العملة السريع الذي ساهم سابقًا في زيادة التضخم. إضافة إلى ذلك، أوقف مصرف لبنان التمويل النقدي والدعم للعملات الأجنبية، ما ساهم في استقرار أكبر لسعر الصرف. كما أن الانضباط المالي الإضافي وزيادة الإيرادات الميزانية، إلى جانب التشديد النقدي المستمرّ، دعم استقرار سعر الصرف وساعد بالتالي في تقليل التضخم. في المقابل، تبنت نسبة متزايدة من الشركات والمستهلكين بشكل متزايد المعاملات المعتمدة على الدولار، ما خفّف آثار تقلّبات العملة المحلية. ساعد هذا التحوّل على استقرار الأسعار وتخفيف الضغوط التضخمية من خلال تقليل الاعتماد على العملة المتقلّبة بشكل كبير.
على الرغم من أن هذه العوامل ساهمت في تهدئة التضخم، إلّا أنّ التحدّيات لا تزال قائمة. تستمرّ الاقتصاديات في تحمّل تبعات الأزمات الاقتصادية والمالية الطويلة، بينما هناك حاجة لجهود سياسية مستمرّة للحفاظ على التقدّم وتعزيزه. وتستمرّ أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك الغذاء والسكن، في الارتفاع، وتشكّل المخاطر الخارجية، مثل التوترات الإقليمية واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، تحدّيات مستمرّة لاستقرار الأسعار.
من 2020 إلى 2023
كانت نسب التضخم المسجّلة في لبنان منذ العام 2020 إلى 2023 مدفوعة بشكل أساسي بالسلع القابلة للتداول، إذ ساهمت المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بحصّة متوسّطة كبيرة تبلغ 27 %.
كما كانت وسائل النقل والاتصالات تمثل حصصًا ملحوظة بنسبة 15 % و 4 % على التوالي، ما يعكس صدمات سعر الصرف والضغوط السعرية الخارجية خلال هذه الفترة.
في المقابل، كانت القطاعات غير القابلة للتداول مثل الإسكان والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من السلع والخدمات المتنوعة تسهم بحصص أصغر من 17 % و 7% و 6% و 5%.
خلال الفترة الممتدّة من 2024 إلى 2025، تحوّل نمط التضخم نحو المكوّنات غير القابلة للتداول، حيث ساهم السكن والصحة والتعليم والسلع والخدمات المتنوّعة معًا بنحو 67 % من متوسّط التضخم، حيث أصبح السكن الدافع الرئيس بحصة تبلغ حوالى 47 %. وهذا يعكس ارتفاع الإيجارات وتكاليف المرافق والتعويضات المرتبطة بالأجور وبنية السوق غير التنافسية في القطاعات الرئيسية. كما زادت مساهمة السلع والخدمات المتنوعة إلى حوالى 9 % في المتوسط، بينما تراجعت مساهمة الغذاء إلى حوالى 20 %. وانخفضت حصة النقل والاتصالات إلى نحو 7 % و -1 %، على التوالي، ما يبرز تأثير الصدمات الخارجية المتراجع.
تؤكد هذه التحوّلات في المساهمات القطاعية الانتقال الأوسع من التضخم المدفوع خارجيًا إلى التضخم الجذري من الضغوط الهيكلية المحلية. ما يعني أن التضخم في لبنان أصبح متزايدًا محليًا.