التفاهمات الجانبية أصدق إنباءً من 1701

 

كثفت إيران في اليومين الأخيرين رسائلها المباشرة إلى واشنطن حول رغبتها في الانفتاح تحت عنوان أن "لا مناص من التعامل مع واشنطن" وأن "شئنا أو أبينا، سيتعيّن علينا التعامل مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية وعلينا أن ندير العلاقة والمواجهة مع الولايات المتحدة بأنفسنا"، وفق قول الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الذي اختير للقيام بهذه المهمة تحديداً عبر الانفتاح الذي تحتاج إليه طهران بقوة.

وهذه الرسائل تترجم مسعى ترى مصادر ديبلوماسية في بيروت أنه متصل على نحو مبكر برغبة إيران في فتح مفاوضات مع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب أو التمهيد لذلك على الأقل ورصد احتمالات ذلك من أجل التصرف على أساسه وفتح مسار جديد للتعاون. ففي يد إيران راهناً لا تزال ورقة القبول بوقف النار في لبنان وتنفيذ القرار 1701 وكذلك ورقة الرهائن في غزة والتي تستطيع المساومة من أجل الحصول على موقف ملائم من واشنطن يتعلق بها وبتوجيه رسالتها حول دفع ترامب لعدم اعتماد سياسة الضغط القصوى التي استخدمها إبان ولايته السابقة وفرض المزيد من العقوبات عليها.

فإن كان سيتاح تنفيذ دقيق للقرار 1701 بما معناه منع أي وجود عسكري لـ"حزب الله" جنوبي الليطاني على الأقل، ما قد يعني عملياً إفقاد هذا السلاح جوهر وجوده ومبرراته، فإن إيران تسعى إلى مقايضة ذلك أو المساومة عليه ولن تسمح به بسهولة، ومن المبكر الجزم بأنها ستفعل. وتالياً يغلب الاقتناع لدى مصادر سياسية بأن حسم موضوع وقف النار في لبنان قد يكون أبعد من المدى المنظور الذي يجرى الحديث عنه، في حال التسليم جدلاً فقط بأن هذا الموضوع رهن ما تنتظره إيران من رد واشنطن على المبادرات للانفتاح والحوار معها.

فالخوف من إدارة ترامب تعاظم بعد مجموعة انتكاسات لإيران طاولت أذرعها في المنطقة ولا سيما الحزب في لبنان وانكشاف محدودية فاعلية صواريخها البالستية ما دفع إلى الواجهة بخيار التخلي عن فتوى سلمية النووي والتلويح به. ولكنها لن تقبل بتحجيم نفوذها السياسي وإنهاء ورقة الحزب بسهولة.

هذه المواقف لإيران مهمة على خلفية أنها تملك ناصية قرار الحزب في مقابل الشروط التي تريدها إسرائيل. وهذه الأخيرة تتصرف على قاعدة أنها "منتصرة" في الحرب وتسعى إلى فرض تفاهمات عدة إلى جانب القرار 1701 الذي يقول لبنان الرسمي بالتمسك به حرفياً من دون قيد أو شرط. وهو في الواقع أمر مفهوم انطلاقاً من واقع قاسٍ يفيد بأن لبنان لا يملك سوى ذلك، فضلاً عن أن شروط إسرائيل لا يمكن قبولها بأي شكل بالإضافة إلى ضرورة إظهار أن الحزب لم ينكسر أو يخسر وأن تنفيذ القرار 1701 من الجانبين اللبناني والإسرائيلي يجعل الأمور متكافئة ولا ترجح نتائجها لمصلحة طرف على الآخر. هذا في المبدأ، في الوقت الذي أظهرت فيه مساعي إسرائيل على الأقل في اتجاه صياغة لغة اقتراح وقف النار لإنهاء الحرب في لبنان، الحصول من واشنطن على ضمانات أو رسائل تؤكد أن التفاهمات الجانبية ستكون أقوى من القرار 1701.

وهي في الوقت نفسه سعت إلى إدخال روسيا على الخط من خلال السعي إلى التأثير على إيران للحؤول دون نقل أسلحة مجدداً إلى الحزب عبر سوريا وحتى إلى إدخال سوريا عبر الضغط على نظامها في هذا الإطار. وقال المبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، لوكالة الأنباء الروسية الرسمية ريا نوفوستي قبل يومين "إن روسيا لا تستطيع ضمان منع مرور المواد الإيرانية إلى حزب الله عبر سوريا وإن مراقبة الجهود المدعومة من إيران لنقل المواد هي مسؤولية السلطات اللبنانية والسورية"، فيما قال الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بعد لقائه الوزير الإسرائيلي رون ديرمر الذي أوفده بنيامين نتنياهو إلى واشنطن من أجل البحث في اقتراح وقف النار إنه "لن يكون هناك أيّ دور لروسيا في الاتفاق أو في مراقبة تطبيقه، وإن الولايات المتحدة غير معنية بهذه المحادثات"، وقال: "ما تفعله إسرائيل مع الروس هو شأنها".

تحتاج إسرائيل إلى إجبار إيران وتالياً الحزب على الموافقة على الاقتراح الأميركي الإسرائيلي فيما "انتصارها" العسكري يظلّ رهناً بجملة اعتبارات من بينها نجاح حملتها البرية والجوية في إجبار الحزب على قبول شروطها ومدى حاجة الولايات المتحدة إلى إنهاء الحرب وكذلك إيران في ضوء حاجتها إلى الحد من خسائر الحزب وبنيته العسكرية.