المصدر: النهار
الجمعة 12 كانون الاول 2025 08:26:39
هل تنعقد لجنة "الميكانيزم" في 19 من الجاري في ظل عدم توفير مشهد سياسي جامع حول خطوة التفاوض التي كلف القيام بها السفير السابق سيمون كرم؟ وهل من نتيجة يمكن أن يخرج بها المفاوض اللبناني في ظل سعي الجميع إلى محاولة إنقاذ لبنان والطائفة الشيعية تحديدا من الهاوية التي أوقعت نفسها واللبنانيين فيها، فيما يستمر "الركل" من جانب ممثليها في كل الاتجاهات؟
السؤالان يثيرهما البعض في ظل ممانعة الرئيس نبيه بري، الذي سبق أن فاوض بنفسه من أجل وقف النار، وأنجز اتفاقا مع إسرائيل برعاية أميركية. وإذا كان لدى الفريق الشيعي بدائل تجنبه الحرب التي تهدد بها إسرائيل والتي ينقل أرجحية حصولها كل الزوار الديبلوماسيين للبنان، سواء نجح في عبور تهدئة أسابيع حتى انتهاء المرحلة الأولى من خطة الجيش أو لا، فالحرب الحتمية تبدو الخيار البديل الذي سيكون كارثيا على الطائفة الشيعية كما على لبنان ككل، في وقت لم يعد أهل القرى الحدودية بعد أسوأ عملية تهجير شهدها الجنوب في كل الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل ضد لبنان.
كان ينتظر من بري في شكل خاص أن يتخذ موقفا مختلفا، هو الذي ينسب إلى نفسه إصراره على التفاوض من ضمن "الميكانيزم" فحسب، فيما يتنمر عليها، علما أن أي حرب جديدة قد تفرض قواعد مختلفة، أضف إلى ذلك الخشية من تقديم ذرائع إضافية لإسرائيل على نحو يحتمل أن يقصّر عمر آلية التفاوض الحديثة العهد.
هذا أحد الجوانب الأساسية للمشكلة، فيما تتهدد أخطار أخرى لبنان في هذه المفاوضات ما لم يتولّ مجتمعا وضع إستراتيجية محددة للتفاوض والأهداف المتوخاة منه. وهذا الأداء الخطِر يجعل من المفاوض اللبناني يواجه معركتين: واحدة في وجه إسرائيل وواحدة مع الداخل الشيعي المتحفظ والرافض للتفاوض. ولا أسباب واضحة لذلك، وما إذا كانت تتصل بالسعي إلى رفع مستوى الأثمان الداخلية أو هي نتيجة ضغوط إقليمية تتصل بإيران، أو نتيجة رغبة في أن يتولى بري نفسه التفاوض بالنيابة عن الحزب كما فعل سابقا.
حتى الآن يبدو التعثر اللبناني واضحا، إن لم نقل الضياع الكلي، وهو ما يلحظه زوار ديبلوماسيون في أداء السلطة اللبنانية ومقاربتها نزع السلاح، في ظل دفع إلى مؤشرات للمرحلة التالية من خطة الجيش اللبناني، على نحو أقرب من مطلع السنة الجارية، تأكيدا لمسار قائم تعتزم السلطة تنفيذه.
هذه المؤشرات هي التي يمكن أن توفر أوراقا للدول الصديقة لكي تضغط على إسرائيل وتحول دون تنفيذ الحرب التي تهدد بها.
وثمة أمر آخر يتصل بالجلسة الأولى من التفاوض التي سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى وضعها في إطار التعاون الاقتصادي المرجح مع لبنان. فالرد أتى من رئيس الحكومة نواف سلام على قاعدة أن التفاوض محصور بانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها وإعادة الأسرى ووقف الاعتداءات وما يتصل بذلك. ولكن الأمر الجوهري هو أنه إذا كان نتنياهو يقفز مباشرة إلى موضوع لا يحظى بأي إيجابية في لبنان، فإن هدفه قد يكون إجهاض التفاوض، فيما لبنان بانقساماته والتحفظات الشيعية يقدم له هدية مسبقة في هذا الإطار. وإذا كان هذا الأمر بندا وضع على الطاولة، فما الذي يضعه لبنان في المقابل؟ وأين أهل السلطة منه؟ وما استراتيجيتهم وخطة العمل التي يجب تنشيط وفود من أجل تسويقها في الخارج لإقناع الدول الصديقة بالوقوف إلى جانب لبنان؟
والأمر الجوهري الآخر يتصل بالدور الذي تؤديه الولايات المتحدة في هذا الإطار على طاولة التفاوض، وهل هو دور وساطة أو رعاية، أو أن واشنطن تتبنى كليا الموقف الإسرائيلي وتدعمه على هذا المستوى؟ وهل تريد استكمالا فعليا لهذا التفاوض ومده بأسباب الحياة، بحيث ينتهي خلال جلستين على الأكثر؟
لبنان في حالة كارثية، وثمة مخاوف من أن يكون أقصى ما يقوم به أهل السلطة هو تأجيل المشكلة أو كما يقال بالإنكليزية ( kicking the can ) ، علما أن من يستطيع القيام بذلك يفترض امتلاكه أوراقا يتحكم فيها.