المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الخميس 4 أيلول 2025 14:59:11
يتفق مراقبون كثر على أن الإشكالية راهناً عشية جلسة لمجلس الوزراء لبت خطة الجيش اللبناني حول حصرية السلاح هي في قدرة الثنائي الشيعي على ترجيح كفة مصلحة لبنان على كفة مصلحة إيران في المعادلة التي يواجهها، وهذا ليس من منطلق التشكيك بلبنانية الطائفة الشيعية بل نتيجة الربط المحكم بالاعتبارات الإيرانية لدى "حزب الله".
إذ إن الزيارة التي قام بها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني تأكيداً على استمرارية موضوع السلاح في وجه قرار الدولة اللبنانية بحصرية السلاح تماثل إلى حد كبير تلك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الى بيروت غداة اتفاق 27 تشرين الثاني 2024 لإعادة تصويب المرونة التي كان أبداها رئيس مجلس النواب آنذاك نبيه بري إزاء تنفيذ الاتفاق وانتخاب رئيس للجمهورية. يقول مراقب ديبلوماسي في الخارج تعليقاً على خطاب بري في ذكرى الإمام موسى الصدر إنه كانت هناك دوماً تمنيات بأن يكون بري مختلفاً عن الحزب لكن في كل مرة يعود ليكون وجها آخر متمايزاً بعض الشيء إنما ليس مختلفاً من دون حاجة إلى البحث في الأسباب أو طبيعتها.
وهذا واقع سياسي مضت عليه سنوات كثيرة ولا ضرورة للتعويل على متغيرات فعلية على هذا المستوى. من يعتبرون أن الثنائي الشيعي ملزم بحماية مصلحة إيران وسلاحها الموجود في يد الحزب ومنحها بذلك أوراقاً للتفاوض في وجه الولايات المتحدة الأميركية هم من يخشون عرقلة فعلية لقرار الحكومة أو لخطة الجيش المرتقبة أيا كانت الكلفة على لبنان أو اللبنانيين والجنوبيين في شكل خاص إذ تتم التعمية على ذلك بحملة ربط السلاح بالشرف والكرامة . وهذا للمناسبة يشكل جزاء كبيراً من مخاوف أوساط سياسية عدة في لبنان . فيما أن هناك رأياً يتبنى منطقاً مختلفاً على قاعدة أن من يمسك بيد لبنان من الدول الخارجية لمساعدته قد لا يستمر، فيما أن الرسائل الإسرائيلية عن استمرار استهدافها للحزب وتوسيع مروحته في أي وقت قائم وتذكر الحزب بذلك كما لبنان بأسره فيما أن هذه الرسائل تساهم في تعقيد المشهد اللبناني وتضعف موقف الدولة موفرة ذرائع جديدة للحزب .
ولكن المسألة كما باتت تقاربها أوساط سياسية عدة باتت تتركز على مبدأ استعادة الدولة سيادتها وقرارها بقطع النظر عن الموضوع الإسرائيلي. وهذا ليس تهميشاً له، بل هناك واقع يجب التعاطي معه . فبمعزل عن طموح إسرائيل لبقاء لبنان مفككاً وضعيفاً، وبمعزل عن مصلحة طهران المعروفة، هل يمكن للثنائي أن يحدد ما يريد من لبنان في المرحلة المقبلة وفي ظل متغيرات المنطقة، لا سيما أن الحزب من قام بالحرب وكلف لبنان مرة جديدة أكلافاً باهظة ، وبري من فاوض ووقع على اتفاق وقف النار وفرض اتفاقاً على الدولة اللبنانية . فالسردية لدى الحزب أنه لن يتخلى عن السلاح أبداً، ولا يقول إنه ولأننا وقعنا على اتفاق تضمن التزاماً من الطرفين أي إسرائيل والحزب ، وبما أن الطرف الإسرائيلي أخلّ بهذا الاتفاق، نحن نطلب الآن أنه ما لم تعد تلتزم بالاتفاق ، فإننا لن نلتزم ، وسنبقى غير ملتزمين إلى حين تلتزم اسرائيل.
في حين أن ما يقوله الحزب إنه يرفض مبدأ نزع سلاحه، وهو ما ترجمته أنه يرفض سيادة الدولة على أراضيها وأن سيادة الدولة ستبقى منقوصة شمال الليطاني وفي المناطق الأخرى . فالمشكلة الأساسية أمام لبنان هي مشكلة السيادة والاعتراف بها . وهذا المنطق لا يغيب عن بال إسرائيل التي يرجح في ظل سماعها سردية الحزب التي لم يناقضها أحد على المستوى الرسمي على الأقل، فتدعم في المقابل سرديتها بأن هذا الخطاب لا يعكس التزاماً بالاتفاق ما يدفعها إلى أن تتمسك بمنطقها في المقابل . فنحن كلبنانيين نتحدث أمام أنفسنا ونسمع ما نقوله ونردده ونسعى إلى إقناع أنفسنا بما سمعناه ونعتبر أن ما سمعناه وأقنعنا أنفسنا به يجب أن يكون الآخر مقتنعاً به أيضاً.
والمؤشر الأبرز على ذلك أنه فيما واصل الثنائي الشيعي في الأسابيع القليلة الماضية محاولة ترهيب الدولة اللبنانية من أجل عدم المضي قدما في مسار حصرية السلاح في يد الجيش اللبناني، قدمت أسرائيل نماذج إضافية حول قدراتها المتقدمة كان آخرها اغتيالها المسؤول الفلسطيني الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة على رغم تخفيه المتقن لأعوام طويلة وراء كوفية تمنع الكشف على هويته. أظهر الاغتيال الأخير أن هذا التخفي وهمي في الواقع لأنه لا يسري على أجهزة المخابرات الإسرائيلية وقدراتها التكنولوجية المتقدمة ، في تحديد مواقع خصومها القريبين منها مباشرة أو الأبعدين كما حصل في استهدافها اجتماع مجلس الوزراء لدى الحوثيين في اليمن محتفلة بقدرات لم تجارها بها حتى الولايات المتحدة في الاختراق الاستخباراتي الذي كانت جربته في ايران قبل اليمن . وهذه النماذج للقول إن سلاح الجزب غير قابل للاستخدام في المدى المنظور على الأقل ، فيما أن الوقت مكلف للبنان واللبنانيين .