المصدر: المدن
الكاتب: غادة حلاوي
الخميس 28 آب 2025 15:30:14
بعد اليوم الأميركي الطويل، سكت الجميع عن الكلام المباح. وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي كان يحرص على إشاعة أجواء إيجابية يستشفها من حركة الموفدين ووعودهم، خرج إلى العلن ليعبّر عن إحباطه جراء زيارة الموفد الأميركي توم باراك ورفيقته مورغان أورتاغوس ومعها السيناتور ليندزي غراهام.
لكأنّ الرئاسات الثلاث لم تستوعب الصدمة بعد، وانصرف كل منها إلى تقويم ما سمعه أو تلقّاه من إملاءات جديدة وتهديدات مبطّنة. والأغرب أنّ لبنان الذي انتظر طويلاً فوجئ بأن لا جواب من إسرائيل على الورقة الأميركية، في حين لم يجرؤ أحد في الداخل على القول إنّ عدم التزام إسرائيل بالورقة يجعل لبنان في حلّ منها.
أكثر ما خضع للتحليل كان الخلط الأميركي بين الوفود، وكيف أنّ باراك وأورتاغوس التزما الصمت أمام مواقف غراهام المتشددة المؤيّدة لإسرائيل، حتى بدا كأنّه الناطق الرسمي باسم الوفد.
في مستهلّ زيارته إلى عين التينة، قال غراهام للرئيس بري: "قيل لي إنّك ستجلس مع أهم سياسي لبناني". وفي سياق الحديث، عرض بري التزام لبنان باتفاق وقف النار وكيف أنّ إسرائيل لم تلتزم به. وأشار إلى أنّ الاتفاق تضمّن بنداً ينصّ على عودة اللبنانيين إلى أراضيهم.
هذا البند الذي شكك باراك بوجوده في اللقاء مع بري وقال: "لا أذكر أنّ نصاً كهذا موجود". عندها عرض أحد المشاركين في الاجتماع النص بحرفيته، فطلب باراك من مساعديه التأكّد منه وأبدى بعد أن تأكد منه، استغرابه لوجوده.
بري عاد يتحدث بإسهاب عن الاتفاق، وضرورة إلزام إسرائيل بتطبيقه. وقال هناك اتفاق موجود، والمطلوب التزام إسرائيل بنصه. لكن غراهام كان يتابع حديثه متجاوزاً ما سمعه. في كل مرة كان بري يطرح الموضوع، كان السيناتور غراهام يقاطع باستطرادات مختلفة. قال غراهام بعبارة صريحة: "ساعدونا كي نساعدكم، والمطلوب نزع سلاح حزب الله". الغريب أنّ أورتاغوس وباراك التزما الصمت، في حين تولى السيناتور المتشدد تظهير الموقف على نحوٍ متشدد.
في الخارج، وبينما كان باراك يهمّ بالإجابة عن سؤال حول وقف النار والردّ الإسرائيلي، سارعت أورتاغوس لتجيب بدلاً منه قائلة إنّ إسرائيل مستعدة للمبادلة خطوة بخطوة، على أن تكون الخطوة الأولى نزع سلاح حزب الله، وبعدها تنسحب إسرائيل؛ أي إنّ الأميركي ربط الانسحاب بنزع السلاح، لا بوقف العدوان، ولم يتحدث عن ضمانات.
امتعاض الثنائي
في تقويم الثنائي، تبيّن أنّ السلطة أدخلت البلاد في ورطة، وأنّ رمي الكرة في ملعب الجيش يهدد بالتوتر. وبعد فائض التصريحات والبيانات التي رافقت لقاءات الموفد الأميركي مع الرؤساء الثلاثة، جُمّدت الاتصالات إلّا عبر قنوات محدودة. وقد بدأ الثنائي يُظهر امتعاضه علناً. وتوضح مصادره أنّ الأميركيين لم يكونوا على مستوى الوعود السابقة، برغم كل الإيجابية التي أبدتها السلطة اللبنانية، خصوصاً رئيس الحكومة بانصياعه شبه التام للإملاءات الأميركية، وبرغم تفاؤل بري، فإنّ الموقف الأميركي بدا متخبّطاً، وهو ما بدّد تفاؤل بري وأدخله في حالة إحباط إزاء خضوع الأميركيين بالكامل لإسرائيل.
بالنسبة إلى الثنائي، أثبت الأميركي أنّه ليس طرفاً مؤتمناً ولا وسيطاً حيادياً؛ بل يتبنى المصلحة الإسرائيلية بالكامل، كما عبّر غراهام وباراك وأورتاغوس. وتقول مصادر بارزة في الثنائي إنّ "الدفتر الأميركي" يتصاعد لمصلحة إسرائيل ويتنكّر لكل الالتزامات السابقة، وأي حديث عن ضمانات مستقبلية هو كمن "يحرث في البحر".
أمام هذا الواقع، يُفترض بلبنان أن يتمسّك مجدداً بثوابته، وأن تتماسك أركان السلطة بعد أن تبيّن أنّ الأميركي غير مستعد للضغط على إسرائيل التي تصعّد شروطها. فالاتفاق الموقّع في 27 تشرين الأول ينصّ على وقف العدوان والانسحاب، لكنّ إسرائيل لم تلتزم؛ بل صارت تحتل ثماني نقاط بدلاً من خمس في الجنوب، وتُطرح مشاريع صناعية هدفها إيجاد منطقة عازلة يُمنع على اللبنانيين الوجود فيها.
نحو جبهة وطنية
يرى الثنائي أنّ السلطة مدعوة إلى مراجعة حساباتها والتمسك بالسيادة. ويأسف حزب الله لكون السلطة اتخذت قراراً بنزع سلاحه من دون أن تنال مقابله أي ضمانات، بل المزيد من الاستباحة. وهذا يدعوها إلى مراجعة موقفها مجدداً.
بعد اليوم الأميركي المحبط، يعتبر الثنائي أنّ مرحلة جديدة قد بدأت، وأنّ الموقف الذي سيعبّر عنه مع القوى الوطنية سيُظهّر قريباً. وتشير مصادره إلى أنّ "جبهة وطنية عريضة" ستتشكل للتصدي للاحتلال ورفض الإملاءات الخارجية.
الخيارات عديدة ومتدرجة، ولدى الثنائي والقوى الوطنية أوراق قوة حقيقية ستُستخدم إذا لم تتراجع السلطة، بهدف فرملة هذا التدهور في الأداء، تقول مصادر الثنائي، لكن لا نية لحرق المراحل. كل خطوة ستُتخذ في وقتها وتبعاً للظروف، سواء بالضغط الديمقراطي التدريجي أو برفع وتيرة الاعتراض. والجملة الأخيرة تلك تفتح على كل الخيارات، وجميعها تتصل بمستقبل الحكومة.