المصدر: Kataeb.org
الكاتب: شادي هيلانة
الجمعة 12 كانون الاول 2025 17:23:04
في قراءة معمقة للمواقف التي أطلقها رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل خلال لقائه الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، يتبين أنه لم يكتفِ بتشخيص إضافي للأزمة اللبنانية، بل وضع أمام الدبلوماسي الفرنسي خريطة إنذار صارخة، تعري جوهر المعضلة التي تهدد بقاء الدولة في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الكيان.
فقد أعاد الجميّل، كما يوضح مرجع سياسي مخضرم لـkataeb.org، التذكير بالحقيقة التي يتجاهلها النظام السياسي ويواصل تدوير الزوايا حولها، فالجيش اللبناني ممنوع من ممارسة دوره الطبيعي، ليس بسبب ضعف بنيوي أو غياب شرعية، بل لأن طرفين يطبقان على مهمته ويصادران قدرته على فرض السيادة، هما حزب الله وإسرائيل.
فالحزب، بحسب المرجع، يعقد مهمة المؤسسة العسكرية، يحجب الإحداثيات، يموّه السلاح بين المدنيين، ويحول أي محاولة لحماية السكان أو بسط السيادة إلى هندسة نظرية لا تمت للواقع بصلة، وفي المقابل، تتعامل إسرائيل مع الجيش بطريقة تبقيه محاصرًا بين نيرانها ونيران الميليشيا، وهو ما يمنع الدولة من الإمساك بقرار حدودها أو أمن أرضها، وعليه، تبدو الدولة اللبنانية في معادلة السيادة مجرد وسيط عاجز بين قوتين تتقاسمان الأرض والقرار.
أما مقولة “احتواء السلاح”، التي تُقدم محليًا ودوليًا كحل وسط، فيفجر الجميّل حقيقتها الصادمة: "السلاح الموجود سيُستخدم ولا شيء اسمه احتواء إما دولة أو لا دولة".
المرجع السياسي يذهب أبعد، معتبرًا أن تعبير “الاحتواء” ليس سوى تجميل دبلوماسي لفشل عمره منذ 2005 في ضبط فائض قوة صادر الدولة ومؤسساتها، فالاحتواء يصلح لإدارة أزمات صغيرة، لكنه يصبح وهمًا أمام ميليشيا تحمل مشروعًا إقليميًا يتجاوز حدود لبنان، ما يجعل المصطلح مجرد ستار يخفي غياب إرادة دولية في فرض قواعد حاكمة، وغياب إرادة داخلية في استعادة الدولة من “اللا دولة”.
وفي النقطة الأكثر حساسية، يطرح الجميّل سؤالاً يهدم الضباب السياسي المفروض على النقاش: إذا كان الحزب يرفض وجود السلاح جنوب الليطاني، فما وظيفة السلاح شمال الليطاني؟
يسأل المرجع: هل هو سلاح بلا مهمة؟ أم مخزون استراتيجي ينتظر توقيتًا إقليميًا؟ أم الدليل القاطع على أن لبنان يعيش تحت قرار متعدد الرؤوس، لا يخضع لجيش ولا لحكومة ولا لدستور؟
هذا السؤال وحده كما يقول يكفي لتفكيك الأسطورة التي تختصر المشكلة بالجنوب، فيما الحقيقة أن فائض السلاح المتفلت من أي شرعية ينسف فكرة الدولة من أساسها، ويحول لبنان إلى كيان معلق على حبال الميليشيا لا على القانون.
وفي سياق موازٍ، يقدم الصحافي والكاتب السياسي علي حمادة قراءة تكمل مسار الجميّل، فيشير لموقعنا إلى تقاطع المعلومات الاستخباراتية الغربية حول أن الحزب أعاد خلال الأشهر الماضية بناء جزء من قدراته العسكرية، وإن بدرجة أقل مما كانت عليه قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وبتمويل ودعم إيرانيين مباشرين.
ويضيف حمادة أن كل الدول الإقليمية باتت تعتبر نزع سلاح الحزب بندًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه، وقد تكون عبارة “الاحتواء” بالنسبة للبعض صيغة مؤقتة لتعطيل استخدام السلاح بانتظار نزعه، لكن الحزب كما يشير لا يزال يتعامل مع السلاح بوصفه محصوراً جنوب الليطاني فقط، بينما القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 تنص صراحة على حل كل الميليشيات ونزع السلاح من كل الأراضي اللبنانية بلا استثناء.
ويلفت حمادة إلى أن تمسك الحزب بالسلاح شمال الليطاني يعطي إسرائيل الذريعة للتحرك، وهذا ما بات معلنًا ومتداولاً دبلوماسياً وإعلامياً، وقد أُبلغت به القيادات اللبنانية بوضوح، ويضيف أن لا مفر أمام الحزب من مواجهة الحقيقة، فالسلاح الذي يفترض أنه موجه ضد إسرائيل أصبح سلاح تهديد للبنانيين أولاً، وقد استُخدم ضدهم مرارًا قبل أن يستخدم في أي مواجهة خارجية.
في الخلاصة، يضع سامي الجميّل ومعه جيل كامل من المؤمنين بالدولة سؤالًا وجوديًا أمام الداخل والخارج، هل يراد للبنان أن يبقى دولة طبيعية، أم مجرد أرض تتجاور فيها السلطات وتتعارض فيها القرارات، بينما يترك الجيش والدولة في موقع المراقب؟