الجنوب على صفيح زلزال... هل تتسبّب التفجيرات بكارثة طبيعيّة جديدة؟

تعدّ التفجيرات «الإسرائيلية» التي تستهدف أنفاق حزب الله في الجنوب اللبناني، مسألة حساسة تشغل الرأي العام وتثير مخاوف بيئية وجيولوجية متزايدة، بخاصة مع وقوع تلك التفجيرات بالقرب من الفوالق الزلزالية النشطة. هذه العمليات العسكرية التي تهدف إلى تقويض البنية التحتية العسكرية لحزب الله، قد تتسبب بتداعيات كارثية على المستوى الجيولوجي، مما يدق ناقوس الخطر حول احتمالية حدوث زلازل كبرى في منطقة تعتبر بالفعل عرضة للتصدعات والحركة الزلزالية. إن التداخل بين النشاط البشري المكثف والتغيرات الطبيعية في قشرة الأرض يزيد من احتمالات الكوارث الطبيعية، حيث ان أي اختلال في التوازن الجيولوجي قد يؤدي إلى كوارث تفوق في آثارها التداعيات المباشرة للأعمال العسكرية.


تحذيرٌ من التفجيرات «الإسرائيلية» في الجنوب

حذر الخبير الجيولوجي طوني نمر على منصة «إكس» من أن التفجيرات «الإسرائيلية» المتكررة في جنوب لبنان، تشكل تهديداً مباشراً للاستقرار الجيولوجي في المنطقة، وقد تؤدي إلى حدوث زلازل مدمرة، محملاً الجانب الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن أي عواقب بيئية ناجمة عن هذه العمليات العسكرية.

وقال: «بعيداً عن السياسة وضجيج الحرب القائمة على لبنان، ما حصل اليوم في العديسة من تفجيرات متتالية ومهولة فعّلت أجهزة رصد الهزات الأرضية في «الشمال الاسرائيلي» هو كالعبث مع مقدرات الطبيعة الى الشمال من منخفض الحولا حيث ينفصل فالق البحر الميت الى فالقي اليمونة وروم».

وتابع: «إذا كان القرار في هذه الحرب هو عدم وجود محرّمات وضوابط في ما خص العمليات العسكرية، ينبغي الانتباه من قبل مشغلّي آلات الحرب الاسرائيلية أن التفلت من الضوابط مع قوانين الطبيعة في الأماكن الخاطئة قد يؤدي الى احتثاث زلازل لا يتوقف تأثيرها في حدود الدول».

فوالق الجنوب.. مصدر قلق دائم!

تُعد الفوالق الزلزالية في جنوب لبنان من أبرز المعالم الجيولوجية التي تشكل مصدر قلق دائم للمنطقة، حيث تقع هذه الفوالق على امتداد خطوط تكتونية نشطة تمتد عبر لبنان وتصل إلى مناطق أخرى في الشرق الأوسط. أبرز هذه الفوالق هو «فالق اليمونة»، الذي يُعتبر جزءًا من الصدع التحويلي الكبير الذي يعرف بفالق البحر الميت التحويلي. يمتد هذا الفالق من شمال البحر الأحمر مرورًا بالأردن ولبنان وحتى تركيا.

جنوب لبنان، وبخاصة المناطق المحيطة بفالق اليمونة، يتعرض لنشاط زلزالي دوري نتيجة حركة الصفائح التكتونية التي تسبب احتكاكات وتصدعات في القشرة الأرضية. هذه الاحتكاكات تؤدي إلى تراكم الضغوط الجيولوجية التي قد تنفجر على شكل زلازل عندما لا تستطيع الصخور تحمل الضغط المتزايد.


يعتبر جنوب لبنان من المناطق الزلزالية المتوسطة إلى العالية الخطورة، حيث سجلت زلازل تاريخية قوية في المنطقة، من بينها زلزال عام 1759 الذي أوقع دمارًا كبيرًا. الزلازل في هذه المنطقة ليست متكررة على فترات قصيرة، ولكن عندما تحدث تكون ذات قوة تدميرية عالية، مما يطرح تحديات كبيرة للبنية التحتية والحياة البشرية في المنطقة.

ويحتوي جنوب لبنان على مجموعة من الفوالق الزلزالية النشطة التي تشكل جزءًا من النظام التكتوني المعقد في المنطقة، وأبرز هذه الفوالق هي فالق روم وفالق اليمونة. هذه الفوالق تعد جزءًا من الصدع التحويلي الأكبر، المعروف بـ»فالق البحر الميت التحويلي»، والذي يمتد من البحر الأحمر شمالًا إلى تركيا.
 
 
- فالق روم: فالق روم هو واحد من أهم الفوالق الزلزالية في جنوب لبنان، ويقع جنوبًا على امتداد سلسلة جبال لبنان الشرقية. يتميز هذا الفالق بنشاط زلزالي متوسط إلى قوي، وهو يتبع نظامًا تكتونيًا شرقي-غربي يؤدي إلى حركة تحويلية بين الصفائح التكتونية الأفريقية والآسيوية. ويعتبر فالق روم مصدرًا محتملاً لزلازل قوية، حيث يسجل تاريخ المنطقة هزات أرضية ناتجة عن نشاط هذا الفالق، وهو يشكل خطرًا على المناطق القريبة منه، بما في ذلك المدن والقرى الجنوبية.

- فالق اليمونة: هو جزء من الصدع التحويلي لفالق البحر الميت، ويمتد من وادي البقاع جنوبًا إلى مناطق شمالية في لبنان. يُعد هذا الفالق من أكثر الفوالق نشاطًا في المنطقة، حيث سجلت فيه زلازل قوية عبر التاريخ. الفالق يمتد بمحاذاة سلسلة جبال لبنان الغربية ويمر بالقرب من مدن عدة، مثل بعلبك وزحلة، وصولاً إلى مناطق جنوبية. ويشكل فالق اليمونة خط زلزال رئيسيًا، وقد شهدت المنطقة المحيطة به زلازل تاريخية كبيرة، منها زلزال عام 1202 الذي تسبب في دمار واسع النطاق وأثر على لبنان وسوريا.

- فالق مرجعيون: هو أحد الفوالق الأصغر نسبيًا في جنوب لبنان، ولكنه جزء من النظام التكتوني الأوسع. هذا الفالق يمتد بالقرب من منطقة مرجعيون في الجنوب، ويعتبر أيضًا مصدرًا للنشاط الزلزالي المحتمل، خاصة بسبب قربه من الفوالق الرئيسية مثل فالق روم.

- فوالق أخرى في الجنوب: جنوب لبنان يحتوي أيضًا على مجموعة من الفوالق الأقل شهرة، لكنها تلعب دورًا في النشاط الزلزالي، ومن ضمنها الفوالق الموجودة قرب نهر الليطاني وفي المناطق الجبلية. هذه الفوالق تعمل بشكل تراكمي مع الفوالق الأكبر، ما يزيد من احتمالية حدوث زلازل صغيرة أو متوسطة الشدة، خاصة عند تراكم الضغوط الجيولوجية في قشرة الأرض.

النشاط الزلزالي والمخاطر المحتملة

النشاط الزلزالي في جنوب لبنان يعتبر متوسطًا إلى عالي الخطورة، مع وجود مخاوف مستمرة من إمكانية حدوث زلازل كبيرة نتيجة التحركات التكتونية المستمرة. الفوالق الموجودة في الجنوب تمتد عبر مناطق مأهولة بالسكان، مما يثير القلق حول تأثيرها على البنية التحتية والحياة البشرية. إنّ التحدي الأكبر الذي يواجه جنوب لبنان يتمثل في الاستعداد للكوارث الزلزالية المحتملة، خاصة مع ازدياد الضغط السكاني والبنية التحتية المتطورة. ورغم أن الزلازل الكبرى لا تحدث بانتظام، فإن أي حدث زلزالي قوي قد يتسبب في دمار كبير.

عند حدوث تفجيرات، تنتج عنها موجات صدمية قوية تنتقل عبر القشرة الأرضية. هذه الموجات تؤدي إلى اهتزازات قوية قد تؤثر على الفوالق الجيولوجية القريبة، خاصة تلك التي تعاني بالفعل من تراكم الضغوط التكتونية. في حالة الفوالق النشطة، مثل فالق روم وفالق اليمونة في جنوب لبنان، هذه الاهتزازات قد تزعزع الاستقرار الدقيق بين الصفائح التكتونية، مما يساهم في تحفيز الحركة الأرضية على طول الفالق.

تكون الفوالق في حالة من الضغط المستمر بسبب الحركة التكتونية الطبيعية، ولكن التفجيرات يمكن أن تخلق ضغوطًا إضافية غير طبيعية تؤدي إلى ما يُعرف بـ»تحفيز الزلازل». عندما تتعرض الفوالق لضغط زائد عن الحد المسموح به، تصبح الصخور المحيطة بها غير قادرة على تحمل التوتر المتراكم، مما يؤدي إلى انكسار مفاجئ للصخور وبالتالي حدوث زلزال.