الجنوب لن يبقى ورقة في يد إيران

قبل يوم من انعقاد مؤتمر باريس دعماً للبنان وسيادته، أعاد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تأكيد أهمية "مقاومة" إسرائيل ومواجهتها في خطاب ألقاه في طهران في 23 تشرين الأول الحالي. وقال إن الحرب في قطاع غزة ولبنان والضفة الغربية محورية في تغيير "مصير وتاريخ المنطقة"، فيما أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطوة نادرة لرؤساء دول غربية أن الحرب الراهنة في لبنان تجعل منه ضحيّتها وليست حرباً داخلية، بقوله إنه "لا بد أن تنتهي حرب الآخرين على أرض لبنان".

وهذا يجعل من لبنان مسؤولية خارجية في الدرجة الأولى ويقع على عاتق الدول المؤثرة وقف النار وإيجاد الحلول ولو من دون إعفاء لبنان وفقاً للديبلوماسيين الغربيين من المسؤولية، إذ رغم الانتقادات الكثيفة لما قامت به حركة "حماس" في عملية طوفان الأقصى، فإن مواقف دولية عدة أعطتها أسباباً تخفيفية باعتبار أن الفلسطينيين يقاومون دولة تحتل أرضهم، فيما هذه الأسباب التخفيفية لا تنطبق على "حزب الله" الذي بادر إلى حرب ليس له فيها، بالإضافة إلى أنه قرّرها وحده بمعزل عن رأي الدولة اللبنانية وبتعالٍ كلّي عن سائر الأفرقاء اللبنانيين.

 يُضاف إلى ذلك أن العام الماضي، منذ انطلاق حرب "الإسناد" لغزة من جنوب لبنان، شهد زيارات كثيرة لرؤساء حكومات ووزراء خارجية دول مؤثرة وجّهت تحذيرات لجهة أن إسرائيل تغيّرت وضرورة الحذر من ردود فعلها مع الإصرار على فك ارتباط جبهة الجنوب عن جبهة غزة من دون طائل. لا بل كانت ثمة مفاخرة برد الموفد الأميركي آموس هوكشتاين على عقبيه خائباً مرة بعد مرة بذريعة عدم حلول أوان الحل.

هذه الأسباب، كما تقول مصادر ديبلوماسية، حرمت لبنان غربياً وعربياً من المسارعة كما سارع وزراء الخارجية العرب أثناء حرب 2006 إلى زيارة لبنان ودعمه ودفعت المجتمع الدولي إلى مناصرة موقف إسرائيل بعدم السماح بعودة الوضع جنوباً إلى ما كان عليه قبل 7 تشرين الأول 2023 بعد الآن. الترجمة العملية لهذا الموقف الذي يُعتقد أنه سيتبلور في المرحلة المقبلة بعد مؤشّرين أساسيين تراهن وتعمل على أساسهما كل من إسرائيل وإيران. المؤشر الأول يتصل بطبيعة الرد العسكري الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الذي حصل على إسرائيل في الأول من تشرين الأول حيث لا تزال إيران تحبس أنفاسها فيما تتوالى تهديداتها بالرد أيضاً، والمؤشر الآخر هو انتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجها التي يُعتقد أن كلا الطرفين سيجري حساباته على أساسها.

عدم العودة إلى ما قبل 7 تشرين الأول يعني عملياً أن لا قبول إطلاقاً بعد الآن بأن يكون الجنوب اللبناني ورقة في يد إيران في مواجهة إسرائيل مهما كان الإطار الذي سيحكمه. فلا الخارج سيقبل ولا الداخل سيقبل بعد الآن. ما لا يجب أن يتنصّل منه المجتمع الدولي في سياق إقفال "نهائي" بعيد المدى على الأقل لحرب جديدة هو العمل وفق الديبلوماسيين أنفسهم على مجموعة نقاط أبرزها: إقفال ملف احتلال إسرائيل لأراضٍ لبنانية بكل تفاصيلها على طول الخط الأزرق، علماً بأن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا لا يراها هذا المجتمع ضمن حق لبنان في الذهاب إلى حرب من أجل مناطق ليست محسومة هويتها للبنان. ثم إن الذريعة الأهم التي رفعها الحزب طويلاً لشرعنة وجوده بقوة هو غياب الدولة اللبنانية في الجنوب خصوصاً.

وهذا تعزز بالمنطق أنه يمتلك أسلحة أكثر قدرة وفاعلية من أجل مواجهة إسرائيل لا يملكها الجيش اللبناني ولا تسمح له الولايات المتحدة بامتلاكها وفق سرديّته. المنطق الجديد أيضاً يفيد بأن الحزب لم ينجح في ردع إسرائيل بل فشل في حماية لبنان أو الدفاع عنه، فيما الحرب الراهنة والتدمير الذي لحق بلبنان يشير إلى منطق يناقض منطقه. تبعاً لذلك، يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية جملة أمور أبرزها الضغط على نحو كافٍ على إيران لالتزام القرار 1701 وعدم تسليحها الحزب مجدداً للدفاع عنها بعدما انهار هذا السيناريو بنحو مروّع، مواصلة المسار لإنهاء الحرب في لبنان ومتابعة تنفيذ آلية ذلك وعدم تركه بحكم قصر النفس أو الملل. يُضاف إلى ذلك، مساعدة الدولة اللبنانية والجيش على استعادة السيطرة على كل لبنان وحصر المساعدات للإعمار لاحقاً بالدولة اللبنانية وبمؤسسات شفافة لا عبر الأحزاب.