الحدود البرية الجنوبية موثقة باتفاقات دولية...هل يبدأ الترسيم من خط الإنسحاب الأزرق؟

من وسيط أميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل والتي تم التوقيع عليها رسميا في تشرين الأول 2022 يعود إسم المستشار الأول في الإدارة الأميركية لأمن الطاقة الدولي آموس هوكشتاين ليتصدر عناوين المفاوضات المرجحة بين لبنان وإسرائيل وهذه المرة على خط ترسيم الحدود البرية.

حتى الساعة لا يزال عنوان حراك هوكشتاين الذي حطّ أمس في تل أبيب ديبلوماسيا، بعدما حذرت إسرائيل في "رسالة دبلوماسية" من خلال الأمم المتحدة، من أنها ستستخدم القوة العسكرية لإخلاء موقعين، قالت إن حزب الله أقامهما داخل "الأراضي الإسرائيلية"، في إشارة إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

إعلان الحزب إزالة إحدى الخيمتين اللتين نصبهما قبل حوالى الشهر على الحدود مع إسرائيل لم ينه فصول سيناريو تحمية راجمات الصواريخ والكلام عن حرب غير معلنة بين إسرائيل وحزب الله، علما أن الأولى أعلنت أنها لا تريد الحرب وهي مستعدة لأن تكون صبورة لكن إلى حدود معينة، والجانب اللبناني بدوره حرص على التأكيد أنه مع فكرة الحل الدبلوماسي، لكنه لم يقترح خطوات ملموسة ومحددة في التفاوض، لأن الموضوع أكثر تعقيداً من سياج فني وخيمتين، والخلاف الناشئ على السياج الإسرائيلي في الغجر يرمز إلى أمور أخرى. والأمور الأخرى هي ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.

مصادر عسكرية ملمة في مسألة ترسيم الحدود تنطلق في قراءتها عبر "المركزية" من اعتماد مصطلح ترسيم الحدود وتعتبر "انها انطلاقة خاطئة  لأن الحدود مرسمة بين لبنان وإسرائيل وقد تم ذلك على ثلاث مراحل تاريخية، الأولى وهو ما يعرف باتفاق "ترسيم الحدود النهائي"الذي وقع في 7 آذار 1923  بين فرنسا ممثلة بالمقدّم بوليه وبريطانيا عبر المقدّم نيوكومب. وتضمّن الإتفاق 38 نقطة فصل بين لبنان وفلسطين، بالإضافة إلى النقطة 39 على الحدود المشتركة اللبنانية ــ السورية ـ الفلسطينية، من رأس الناقورة إلى منطقة الحمّة السورية. وقدّ حدّدت النّقاط بعلامات موصوفة ومرقّمة، وأودع الاتفاق في عصبة الأمم وتمّ التصديق عليه كوثيقة دوليّة في 6 شباط 1924.

المرحلة الثانية  عام 1949 حيث تم الاتفاق على رسم الحدود على أساس اتفاق بولييه ونيو كمب (1923)، وعلى أن تتناول الأعمال إعادة وضع إشارات ونقاط الحدود في مكانها، وكذلك وضع إشارات أو نقاط متوسّطة بين النقاط الـ 38 الأساسيّة،  والتي وقّع وصادق عليها مجلس الأمن.

وفي العام 1961، عقدت لجنة الهدنة اجتماعاً وتمّ الاتفاق على وضع الشارات الـ 38 . وفيما بقي الموقف اللبناني مستنداً على اتفاق بولييه ــ نيوكمب واتفاقية الهدنة، أقرّت إسرائيل بالاتفاقيتين، وتحفظت على دقة الخرائط لترسيم الحدود.

أمّا المرحلة الثالثة، وهي مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي في 25 أيار 2000، الذي رُسِّم على أساسه "الخطّ الأزرق" و تسلّم الجانب اللبناني خريطة هي كناية عن صورة جويّة سميّت بخريطة "لارسن" نسبة لتيري رود لارسن المنسق الخاص السابق للأمم المتّحدة لـ"عملية السلام. وفي 23 حزيران 2000، تسلّم لبنان من اليونيفيل، لائحة إحداثيات مؤلّفة من 198 نقطة. إلا أن لبنان تحفّظ على مزارع شبعا والجزء اللبناني من بلدة الغجر.

تقنيا وقانونا الحدود مرسمة، تتابع المصادر، وهناك إحداثيات لنقاط ومعالم. لكن ما حصل أن في العام 2000 وعند ترسيم الأمم المتحدة الأزرق تبين أن هناك اختلافا في الحدود المشار إليها في اتفاقية 1924 والتي أعيد التأكيد عليها باتفاقية العام 1949.أما في السياسة فكل شيء قابل للتعديل وفق الحسابات والمصالح على غرار ما حصل في عملية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل حيث كان يمكن الركون إلى الخرائط التي وضعتها اللجنة العسكرية من الجانب اللبناني والتي كان يمكن أن ينال منها لبنان ما لم يتحقق في الإتفاقية الموقعة نهائيا.

في المادة الثانية 2 من الدستور ورد التالي: لا يجوز التنازل عن جزء من الأراضي اللبنانية وأي مخالفة تعني وجود مخالفة دستورية لكن على من تقرأ الدستور ومواده، تعلق المصادر، لتعود وتؤكد بأن الخط الأزرق هو خط انسحاب وليس خط حدود ولا يجوز الركون إليه لأنه ينال في بعض نقاطه مساحات من الأراضي اللبنانية لصالح إسرائيل. والمطلوب وفق المصادر إعادة تموضع الخط الأزرق".

ولا تخفي المصادر خشيتها من أن تدخل عملية الترسيم البري بازار السياسة وتقاسم الحصص على حساب الأراضي اللبنانية كما حصل في المساحات البحرية عند ترسيم الحدود البحرية. أما الخرائط التي تعدّها لجنة متخصصة في الجيش اللبناني فهي تنطلق من اتفاقيتي 1924و1949.

إذا سلمنا جدلا بأن الترسيم البري بين لبنان وإسرائيل ينطلق من خيمتين نصبهما حزب الله في مزارع شبعا فلمن يعود "الفضل" في فتح ملف ترسيم الحدود البرية المُرسّمة أساسا؟ ولماذا يفتح هذا الملف في لحظة التطبيع مع الفراغ بدءا من رئاسة الجمهورية مرورا بحاكمية مصرف لبنان وصولا إلى قيادة الجيش؟ وهل سيتم ترسيم الحدود الموزعة على ثلاث مراحل بين مزارع شبعا وقرية الغجر والخط الأزرق في سلة واحدة أم على مراحل قد يبدأ بها الوسيط الأميركي هوكشتاين لكن لا نعرف مع من تنتهي ومتى؟

ما تتوقعه المصادر أن تطول عملية الترسيم البري كثيرا، وقد يصحو اللبنانيون ذات صباح على خبر ترسيم المراحل الثلاث ضمن سلة واحدة متكاملة!.