المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الثلاثاء 17 حزيران 2025 07:51:25
لم تكد البلاد تتنفس الصعداء وتحاول استرجاع بعض قواها المالية والاقتصادية بعد التداعيات المدمرة لحرب الإسناد، حتى وقع المحظور الإسرائيلي - الإيراني، وبات على لبنان مجددا أن يعيد احتساب خسائره الاقتصادية، وبناء الآمال بألا تتمدد الحرب إلى أراضيه، وأن يبقى على حياد نجحت حكمة المعنيين في إرسائه حتى الآن.
عوّل اللبنانيون بإفراط على موسم الصيف السياحي، ووعدوا بقدوم مئات آلاف المغتربين والسياح العرب والأجانب، خصوصا بعد رفع حظر سفر معظم الرعايا الخليجيين. لكن حسابات الإقليم لم تطابق حساب بيدر بلاد الأرز، بعدما دهمتها الحرب، فخسر لبنان حتى الآن ما يزيد على نصف موسمه السياحي، والنصف المتبقي رهن بالمدى الزمني الذي قد تستغرقه المنازلة الإسرائيلية - الإيرانية.
تبخر حتى الآن نحو مليار دولار، من مليارين تقريبا عائدات متوقعة، وبات الأمل الوحيد توقف الحرب سريعا، وإنقاذ حجوزات المغتربين في آب وأيلول، بعدما ألغى أكثر من 70% منهم حجوزات حزيران وتموز، فيما ألغى معظم السياح العرب حجوزاتهم طوال الصيف.
إلى ذلك، تسود حال من الذعر أوساط شركات الطيران، وقد ارتفعت أقساط التأمين على الرحلات المتجهة إلى بيروت بنحو 35 إلى 50% خلال 72 ساعة فقط، بحسب مصادر من وسطاء التأمين الإقليميين الذين استعادوا سيناريوات سابقة شهدتها المنطقة، مثل حرب غزة 2021 أو انفجار مرفأ بيروت في آب 2020، حين ارتفعت رسوم المخاطر الحربية المفروضة على لبنان بنحو 300 إلى 500 دولار لكل رحلة أو شحنة. فيما تشير التقديرات الأولية، بناء على بيانات تاريخية سابقة، إلى أن كل يوم من التعطيل الجزئي في مطار رفيق الحريري الدولي قد يكلف لبنان ما بين 3 إلى 5 ملايين دولار من العائدات المباشرة وغير المباشرة، تشمل المسافرين والشحن والبنى التحتية التشغيلية.
فالقطاع السياحي الذي كان يعول على صيف 2025 لإنعاشه بعد 3 سنوات متقطعة، تلقى ضربة موجعة، في رأي الخبير الاقتصادي بيار الخوري. ووفق تقديرات أولية، فإن أكثر من 60% من الحجوزات الفندقية لشهري حزيران وتموز مهددة بالإلغاء، أو تم إلغاؤها فعليا. شركات السياحة تعاني موجة إلغاءات جماعية، والمطاعم الكبرى قد تعمد إلى إغلاق أقسام كاملة وخفض ساعات العمل. البطالة الموسمية في هذا القطاع مهددة بالارتفاع بـ15 إلى 20 ألف وظيفة هذا الصيف، خصوصا في غياب أي دعم حكومي مباشر.
في هذا السياق، يؤكد نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة جان عبود لـ"النهار" أنه "في الفترة الأخيرة، كان المطار يستقبل يوميا نحو 13 ألف وافد يوميا، لكن الحرب أدت إلى تراجعهم بأكثر من 75% مع عزوف غالبية شركات الطيران عن القدوم إلى لبنان. أما بالنسبة إلى السياحة الصادرة من لبنان فإن نسبة الإلغاءات كبيرة جدا، إذ كانت الحجوزات كبيرة على تركيا واليونان في آب وأيلول. وبالنسبة إلى القادمين إلى لبنان لم تسجل إلغاءات من نصف تموز وآب، وخصوصا من اللبنانيين المقيمين في الخارج، ولكن من المؤكد أن الإلغاءات من العرب والأجانب كثيرة".
على مستوى الملاحة البحرية، الوضع لا يقل خطورة. ووفق الخوري، "مرفأ بيروت الذي يشكل الشريان الأساسي لواردات البلاد، بات مهددا بتراجع كبير في عدد السفن الوافدة، وقد تبدأ شركات الشحن العالمية، وفق تقديرات من وسطاء شحن بفرض رسوم تأمين إضافية تصل إلى 400 دولار للحاوية الواحدة، استنادا إلى تصنيف المرفأ موقعا عالي المخاطر (High Risk Port). وإذا استمر التوتر أو وقع أي حادث عسكري في المياه الدولية المحيطة، فإن حركة السفن قد تتوقف كليا. وهذا لا يعني فقط اختناقات فورية في التوريد، بل هو ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة، خصوصا المواد الغذائية والدواء وقطع الغيار. فلبنان الذي يستورد أكثر من 80% من حاجاته من الخارج سيجد نفسه عاجزا عن تأمين بدائل سريعة، خصوصا أن المعابر البرية مع سوريا قد تكون غير آمنة أو غير كافية، بما يعيد مشاهد أزمة 2020، ولكن هذه المرة في سياق أكثر تعقيدا. علما أن كبار المستوردين بدأوا فعليا بإعادة تقييم الطلبيات المستقبلية، ما ينذر بموجة تضخمية جديدة تضرب الأسواق في الأسابيع المقبلة".
القطاع التجاري من جهته، بدأ يرزح تحت ضغط مباشر تمثل في اختناقات سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، ما سينعكس على أسعار السلع في السوق المحلية. فالتجار الكبار، وفق الخوري "يعيدون ترتيب أولوياتهم، بينما الصغار يعانون تقلبات حادة في الأسعار وفقدان خطوط تمويل أو اعتمادات مصرفية. فئة كبيرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مهددة بالإغلاق خلال أسابيع إذا استمرت الأزمة. الاستهلاك المحلي بدوره سيشهد استنزافا سريعا للمخزونات مع تزايد حالة القلق بين الناس، وارتفاع أسعار المحروقات المستوردة يزيد فوضى الأنظمة التشغيلية للمؤسسات التجارية".
يقول الخوري إن "لبنان دخل الآن مرحلة "اللايقين المتفجر"، وسط احتمالات طلب مرتفع على العملة الأجنبية وغياب لأي تدخل من مصرف لبنان، على الرغم من أن البنك المركزي يعلن امتلاكه لاحتياط من العملات الأجنبية يراوح بين 9 و10 مليارات دولار، إلا أن الجزء القابل فعليا للاستخدام لا يتجاوز حدود 6 مليارات".