المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الثلاثاء 10 تشرين الأول 2023 15:29:14
كتب خضر حسان في المدن:
"سَبَقَ الترابط بين حقلَيّ قانا وكاريش عملية طوفان الأقصى، وما يمكن أن تجرّه من تداعيات على عمليات التنقيب عن الغاز على جانبيّ الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي. فالتوصُّل إلى اتفاق على اعتماد الخط 23 كحدود بحرية بدل الخط 29 الذي يمثّل خط الحدود الحقيقية المنصوص عليها في وثائق الأمم المتحدة، تخلّله رسالة تهديد للتنقيب في حقل كاريش، عبر ثلاث مسيَّرات أطلقها حزب الله باتجاه منصّة الحفر التابعة لشركة إينرجين، وذلك في تموز 2022.
ومع توسُّع ردود الفعل الإسرائيلية على عملية طوفان الأقصى، وصولاً إلى الحدود اللبنانية، يستدعي ذلك عدم تجاهل احتمال وقوع حرب شاملة أو جزئية ضد لبنان. ما قد يهدّد عملية التنقيب في حقل قانا.
الترسيم البحري وضمان الأمن
شكَّلَ ترسيم الحدود البحرية سبباً وجيهاً لتوقُّع هدوءٍ طويل الأمد على الجبهة الجنوبية. ووصول منصة الحفر "ترانس أوشن بارنتس" Transocean Barents إلى حقل قانا في آب الماضي، أكّد بأن التحالف الذي تقوده شركة توتال الفرنسية ويضم شركة إيني الإيطالية وشركة قطر للطاقة، يملك تطمينات دولية ومحلية بأن الاستثمارات التي ستُدفَع لقاء التنقيب، لن تذهب هباءً نتيجة حرب محتملة.
وبالفعل، لم تشهد الساحة اللبنانية توتّرات أمنية تضرّ باستثمار التنقيب. فلبنان على غرار إسرائيل، يريد الاستفادة من الغاز، ولذلك سارع إلى حسم موقع خط الحدود البحرية وتنازل عن مساحة كبيرة، معتبراً أن ذلك أفضل الممكن في ظل الإصرار الإسرائيلي على عدم القبول بالخط رقم 29. وبالتوازي، كان الموقف الرسمي اللبناني مطمئناً لجهة حزب الله الذي يملك قرار الحرب والسلم نيابة عن الدولة. والحزب باركَ الترسيم واعتبره انتصاراً وإنجازاً، واعترف بالخط 23 حدوداً بحرية للبنان. وبهذا يكون ترسيم الحدود مفتاحاً لضمان الحد الأقصى من الأمن جنوباً، وباباً لبدء توتال عملية التنقيب عن الغاز.
لكن مفاجأة عملية طوفان الأقصى التي أشعلت حدود قطاع غزّة وحوَّلَت المعركة إلى المستوطنات الإسرائيلية وفتحت الاحتمالات أمام تهديد أي بقعة في الكيان الإسرائيلي، غيّرت الاحتمالات. أما وصول شرارات ذلك الطوفان إلى مزارع شبعا وقرى قضاء بنت جبيل وبعض قرى قضاء صور في الجنوب اللبناني، طَرَحَ تساؤلات حول حقيقة استتباب الأمن في الجنوب وانعكاسه على الاستثمارات الإسرائيلية في حقل كاريش القريب من حقل قانا.
ومع استمرار عملية طوفان الأقصى وإبقاء كل الاحتمالات واردة، سواء في داخل فلسطين أو على مع لبنان، يبقى العمل في حقليّ كاريش وقانا حذراً.
متابعة مستمرة لحقل قانا
احتمال نقل الحرب إلى لبنان ليس مزحة وإن كان مستبعداً حتى اللحظة. ولأن لبنان أصبح لديه عمليات تنقيب عن الغاز يخاف عليها، كان لا بد لوزارة الطاقة متابعة تأثير عملية طوفان الأقصى وامتدادها إلى لبنان.
ولضمان بقائها على اطّلاع شامل وسريع "أرسلت الوزارة مندوباً إلى المنصة في حقل قانا لمواكبة عملية الحفر"، وفق ما يؤكّده وزير الطاقة وليد فيّاض في حديث لـ"المدن".
العمل في الحقل "مستمر حتى إشعار آخر"، يقول فيّاض ويطمئن إلى أن "لا قرار بتعليق عملية التنقيب في الموقع الجديد الذي انتقلت إليه شركة توتال"، بعد تعذّر مواصلة الحفر في الموقع الأوّل. وأشار فيّاض إلى أن توتال لم تبلِّغ لبنان أي قرار بوقف عملية الحفر، فالأعمال العسكرية ما زالت بعيدة من الحدود. وبالنسبة إلى فيّاض "لا شيء يهدّد التنقيب، لكن قد تتغيَّر المعطيات، ولذلك نراقب الوضع ساعة بساعة ويوماً بيوم".
ومع أن إسرائيل بادرت إلى تعليق العمل في حقل تمار، وأبلغت شركة شيفرون الأميركية التي تنقّب هناك، بتعليق العمل، إلاّ أن بُعد المسافة بين حقليّ تمار وقانا، يؤجّل اتخاذ قرار مماثل من الجانب اللبناني، لأن الأحداث ما زالت بعيدة من الحدود. وإلى حين حصول أي تطوّرات، يلفت فيّاض النظر إلى أن "توتال ووزارة الطاقة تراقبان الأعمال في حقل كاريش القريب من حقل قانا، ويمكن ملاحظة منصة الحفر هناك بالعين المجرّدة، وفي حال اتخاذ إسرائيل قراراً بوقف الحفر في كاريش، قد نتّخذ قراراً بوقف الحفر في قانا. فحينها يكون التهديد جدياً".
التهديدات التي قد تطال عملية الحفر في حقل قانا، وإن كانت لا تؤثِّر على الاقتصاد اللبناني بشكل مباشر نظراً لعدم بدء الاستكشاف والاستخراج والضخ والتصدير، إلاّ أنها تؤثِّر معنوياً. فلبنان ينتظر بوادر إيجابية من حقل قانا بعد إعلان توتال أن البئر الذي حفر في البلوك 4 ليس فيه كميات تجارية. كما أن الموقع الأول للحفر في بلوك 9 وصل إلى حائط مسدود استدعى تغيير الموقع. أي أن بوادر استغلال الثروة الغازية ما زال بعيداً. وفي الوقت عينه، لا يدفع لبنان أي مبلغ مالي لقاء الحفر الاستكشافي. وعلى عكس ذلك، لدى إسرائيل ما تخشاه، إذ دخلت مرحلة التصدير من حقل كاريش في شباط الماضي، بعد انطلاق عملية ضخ الغاز في 9 تشرين الأول 2022."