المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أحمد عياش
الأحد 21 كانون الاول 2025 07:19:39
أطل الأمين السابق لـ"حزب الله" حسن نصرالله في 19 حزيران 2024، أي قبل أكثر من ثلاثة أشهر بقليل من اغتياله على يد إسرائيل، ليتحدث عن قدرة الحزب على الوصول إلى ما بعد حيفا ولو عن طريق مسيّرة تصوّر عمق إسرائيل. وراح يقول خلال الاحتفال التأبيني للقائد العسكري في الحزب طالب عبد الله (أبو طالب) وهو في حالة انشراح لا تفارق الابتسامة وجهه: "لدينا ساعات طويلة عن تصوير حيفا وجوار حيفا وما قبل حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا".
لم يعش نصرالله بعد ذلك الخطاب ليرى أن حزبه الذي يتطلع للدخول الى عمق الدولة العبرية هو على وشك أن يصبح خارج جنوب نهر الليطاني الى الأبد بدءًا من العام الجديد أي بعد أيام. وقد ثبّت أمس رئيس الحكومة نواف سلام هذا الموعد رسميًا خلال اجتماعه رئيس الوفد اللبناني المفاوض في لجنة "الميكانيزم" السفير سيمون كرم، الذي أطلعه على تفاصيل الاجتماع الأخير للجنة ونتائجه.
وأكد سلام أن "المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح المتعلقة بجنوب نهر الليطاني باتت على بُعد أيام من الانتهاء"، وان "الدولة جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية، اي إلى شمال نهر الليطاني، استنادًا إلى الخطة التي أعدّها الجيش اللبناني بناءً على تكليف من الحكومة".
وقع كلام الرئيس سلام كالصاعقة على رأس "حزب الله" الذي هاله أن تبدأ مرحلة خروجه من الجنوب الذي لا يعود جنوبًا إذا ما حذفت منه المنطقة الحدودية بين نهر الليطاني وبين الحدود الدولية مع إسرائيل. وقد تعاملت قناة "المنار" التلفزيونية التابعة للحزب مساء أمس مع كلام سلام فقالت في مقدمة نشرتها المسائية: "ان الضاربين َنهاية َالعام مواعيد َللانتقال الى مراحل َأخرى من التنازل اللبناني – أو المهوّلين َبالسيفِ الصهيوني ِوالعصى الأميركي- لا يزالون متحللينَ من كل واجب ٍوبعيدينَ عن ممارسةِ أي لونٍ من المسؤوليات الوطنية، ولا يبالون بأيِ مصير ٍيُؤخَذ إليه لبنانُ بكل أبنائه، وليس بيروتُه وجنوبُه وبقاعُه فقط...".
ثم قالت القناة في تقرير : "المفارقة تكمن في مواقف بعض اللبنانيين التنازلية رغم استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، والتفلت من أي التزامات في الميكانيزم وخارجها، كموقف رئيس الحكومة نواف سلام قبل أيام من انتهاء العام، حيث أعلن أن الدولة اللبنانية جاهزة للانتقال إلى المرحلة الثانية أي شمال الليطاني استنادًا إلى خطة الجيش، وهو ما يطرح سؤالًا عن جدوى هذه السياسة التنازلية أمام العدوانية الإسرائيلية والرعاية الأميركية لها، وعمّا إذا كان في ذلك تعارض مع تقرير الجيش الذي أكد أمام الاجتماع الأخير للميكانيزم وأمام الجميع، أن 93 في المئة من الخطة أنجز من دون أي خطوة مقابلة من العدو الإسرائيلي فيما يتعلق بالنقاط المحتلة أو وقف الاعتداءات؟"
يستحق البيان الذي أصدرته السفارة الأميركية بعد اجتماع اللجنة التقنية العسكرية للبنان (الميكانيزم) الخامس عشر إعادة القراءة، والذي حمل عنوان "تقدّم متوازٍ في المسارين الأمني والاقتصادي". فقد تجاهل البيان موضوع وجود "حزب الله" في منطقة عمليات اللجنة، أي جنوب الليطاني أو شماله، فقال إن الاجتماع الجمعة كان "لمواصلة الجهود المنسّقة دعمًا للاستقرار والتوصّل إلى وقف دائم للأعمال العدائية."
وخص البيان بالاهتمام "تعزيز قدرات الجيش اللبناني، الضامن للأمن في قطاع جنوب الليطاني"، بالقول إنه "أمر أساسي للنجاح" وفي الوقت نفسه، ركز بيان السفارة الأميركية على محادثات الجانبين المدني اللبناني والإسرائيلي قائلا: "ركّز المشاركون المدنيون على تهيئة الظروف للعودة الآمنة للسكان إلى منازلهم، ودفع جهود إعادة الإعمار، ومعالجة الأولويات الاقتصادية. وأكّدوا أن التقدّم السياسي والاقتصادي المستدام ضروري لتعزيز المكاسب الأمنية وترسيخ سلام دائم". وخلص بيان السفارة الأميركية الى القول: "معًا، أكد المشاركون مجددًا أن التقدّم في المسارين الأمني والسياسي يظل متكاملًا ويُعد أمرًا ضروريًا لضمان الاستقرار والازدهار على المدى الطويل للطرفين، وهم يتطلّعون إلى الجولة القادمة من الاجتماعات الدورية المقررة في العام 2026."
إستنادًا إلى بيان السفارة التي يتولّى رأس الهرم فيها أميركي - لبناني يتكلم العربية كما الانكليزية بطلاقة هو ميشال عيسى، يتبين أن الولايات المتحدة الأميركية تتطلّع إلى لبنان، وليس الجنوب فقط، خاليًا من "حزب الله" إنطلاقا من أن الأخير لا يشبه إطلاقا ما بحثته الميكانيزم بدءًا من إنهاء التوتر في المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل وصولًا الى "ترسيخ سلام دائم" كما جاء في بيان السفارة.
أتت آخر الشواهد على أن "حزب الله" ينتمي إلى زمن شارف الأفول، بالاعترافات التي ادلى بها القيادي في الحزب عماد أمهز خلال استجوابه في إسرائيل التي أسرته قبل عام خلا. وقدمت إسرائيل الأسير في تسجيل بوصفه "الضابط في الذراع العسكرية لـ"حزب الله". واعترف الأخير بصوته وصورته بأنه قاد قوات سلاح بحرية تابعة للحزب ولإيران وتنطلق من بيروت لتنفيذ عمليات ضد أميركا وغيرها من دول الغرب.
وقال أمهز في شريط فيديو انه كان هناك مشروع بحري سري لـ"حزب الله"، واصفًا إياه بأنه أحد أكثر المشاريع حساسيةً وسريةً داخل التنظيم. ووفق المعطيات التي كُشف عنها، فإن هدف المشروع تمثل في إنشاء بنية تحتية منظمة لتنفيذ عمليات في البحر، تحت غطاء أنشطة مدنية، بما يتيح استهداف مصالح وأهداف إسرائيلية ودولية في المجال البحري.
وكانت وحدة الكوماندوز البحري التابعة للجيش الإسرائيلي نفّذت عملية خاصة أُطلق عليها اسم "من وراء الخطوط"، في بلدة البترون شمال لبنان، على بعد 140 كيلومتراً من الشواطئ الإسرائيلية، واعتقلت عماد أمهز الذي قال إن الوحدة البحرية لـ"حزب الله" تمكنت من تنفيذ عشرات العمليات السرية، بينها استخدام النقل البحري المدني للجنود وتفعيل دوريات وتنفيذ عمليات ضد إسرائيل وعمليات مراقبة وتجسس للبحرية الأميركية والغربية في البحر المتوسط.
تغيّر الزمن في صورة مذهلة منذ أن تباهى نصرالله بالوصول الى ما بعد بعد حيفا، إلى إعلان الرئيس سلام أمس أن "المرحلة الأولى من خطة حصر السلاح المتعلقة بجنوب نهر الليطاني باتت على بُعد أيام من الانتهاء". ويوحي هذا التغيّر بأن عبارة "شمال الليطاني" الذي يعتبرها "حزب الله" حاليًا خط الحدود لمشروعه، في طريقها الى الزوال الى درجة انه ليس مستبعدًا ان يبدأ الحزب الحديث في المدى المنظور عن شمال نهر بيروت، الحد الجغرافي بين العاصمة وجبل لبنان، باعتباره الحدود المقبلة بين "حزب الله" وإسرائيل!