المصدر: اساس ميديا
الكاتب: ابراهيم ريحان
الثلاثاء 18 حزيران 2024 07:43:13
قبل أسبوع أعلنَ الحزبُ للمرّة الأولى بشكلٍ واضح استعماله “منظومة دفاعٍ جوّيّ”، أطلقها باتّجاه طائرات حربيّة إسرائيليّة كانت تُحلّق في أجواء جنوب لبنان. ماذا يعني هذا التطوّر؟ وهل باتَت لدى الحزب منظومات جدّيّة تستطيع أن تكسر التّفوّق الجوّيّ الإسرائيليّ الذي تحرص عليه تل أبيب كركيزة لعقيدتها العسكريّة؟ وهل نشهد لحظة “إنشاء” قوّة دفاع جوّي، أم أنّنا أمام “منظومة دفاع جوّي” جديّة في جنوب لبنان؟ وهل تستطيع هذه المنظومة تهديد الطائرات الحربية النفّاثة؟ أم أنّ سقفها إسقاط طائرات مسيّرة من دون طيّار؟
لم تكن المرّة الأولى، حين أعلن الحزب عن استهداف طائرات إسرائيلية بصواريخ أرض جوّ، بواسطة “وحدات الدفاع الجوّي”. لكنّه كان الإعلان الأوّل بهذا الشكل الاستعراضي الذي أُريد له أن يكون “تاريخياً”.
قبلها كانَ “أساس” قد كشفَ في شهر شباط 2022 أنّ الحزب استخدم منظومة دفاع جوّيّ من طراز S200 روسيّة الصّنع لاعتراض صواريخ إسرائيليّة استهدفت يومها السّاحل السّوريّ.
كذلكَ في أواخر عام 2020، استعمَل الحزب الدّفاع الجوّيّ في محاولة لإسقاط طائرة استطلاع إسرائيليّة في أجواء منطقة جباع في إقليم التّفاح.
الجديد اليوم أنّ الحزبَ يُعلنُ بشكلٍ واضح أنّه باتَ يمتلك منظومة دفاعٍ جوّيّ، وليسَ فقط صواريخ أرض – جو تقليديّة تُحمل على الكتِف، ولا تُؤثّر على حركة الطّائرات الحربيّة الإسرائيليّة مثل طائرات F-16 وF-15.
والجديد إعلانه أنّ هذه الصواريخ التي أطلقها وأسقطت طائرات مسيّرة، باتت تستهدف طائرة حربية إسرائيلية معادية انتهكت الأجواء اللبنانية في منطقة الجنوب وأجبرتها على الفرار والتراجع خلف الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة”. وقبلها كان أعلن في البيان الأوّل عن “إطلاق صواريخ دفاع جوّي على طائرات العدو الإسرائيلي الحربية التي كانت تعتدي على سمائنا وخرقت جدار الصوت في محاولة لإرعاب الأطفال، مما أجبرها على التراجع إلى خلف الحدود”.
ومن الواضح في نبرة البيانين الرغبة الاستعراضية، على طريقة “أنظروا إليها تحترق”. بعد أشهر من اغتيال إسرائيل عشرات الكوادر في الحزب، وتشكّل صورة جديدة اختلّ فيها “توازن الرعب” الذي كان يسوّق له الحزب. فاستعمل هذا الإعلان لاستعادة صورة القوّة والردع التي تآكلت منذ 8 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023).
خليل الحلو: “تضخيم إعلامي” لسلاح الجوّ؟
كيف يفسّر العميد المُتقاعد من الجيش اللبناني خليل حلو هذا المستجدّ على ساحة الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟ وهو الخبير في الشؤون العسكرية.
يكشف الحلو في حديث لـ”أساس” أنّ الصّواريخ التي استعملها الحزب ليسَت منظومات ثقيلة تحتاج إلى رادارات كبيرة ومساحات مثل S300 أو باتريوت. ويستنتج أنّ هذه المنظومات تقع في واحدة من منزلتيَيْن لا ثالث لهما:
1- إمّا أنّ الحزب حصلَ عليها منذ وقتٍ ليسَ ببعيدٍ. أي على مشارف هذه الحرب تحديداً.
2- أو كانت هذه المنظومات بحوزة الحزبِ لكنّه لم يكن يُفعّلها لئلّا تنكشف وتقصفها إسرائيل.
لا يستبعد العميد حلو أن يكونَ لمنظومات الدّفاع الجويّ الإيرانيّة في سوريا دور أساسيّ في الدعم وتزويد الحزب المعلومات حول حركة الطّائرات الإسرائيليّة في أجواء الجنوب. لكنّه في الوقت عينه يؤكّد أنّ إيران والحزب كانا يُعانيان منذ ما قبل حرب غزّة من ضعفٍ في الدّفاع الجوّي. إذ كانَ سلاح الجوّ الإسرائيليّ يستهدف ما يشاء في سوريا أو العراق من دون أيّ فعّاليّة جدّية في التّصدّي.
يذكّرنا العميد حلو أنّ ما نجح الحزب في إسقاطه حتىّى الآن هي الطّائرات المُسيّرة. لأنّ هذه الطّائرات تعمل بمحرّكات مروحيّة وليسَ بمحرّكات نفّاثة كما هو حال المُقاتلات الحربيّة. كما تُساعد حركة المسيّرات البطيئة وتحليقها المنخفض على سهولة استهدافها وإسقاطها بالمعنى العسكري والتقني. خصوصاً إذا كانَت بحوزة الحزب رادارات قادرة على كشفها وتتبّع مسارها تمهيداً لإصابتها بشكل مباشر. وأثبتت المنظومات التي يستعملها الحزب فعّاليّةً في إسقاط المسيّرات الإسرائيليّة الأساسيّة في العمليّات مثل “هرمز 450″ و”هرمز 900”.
هنا يلفت العميد حلو إلى أنّ إيران والحزب وحماس والحوثيين أظهروا مهارةً في استخدام “سلاح الإعلام” ووسائل التّواصل الاجتماعي أكثر من الإسرائيليين. وهذا ما يسمح بتضخيم أثر استعمال منظومات الدّفاع الجوّيّ ضدّ الطائرات الإسرائيليّة. وهذا ما سهّل الخلط بين استهداف المسيّرات، وبين القدرة على استهداف الطائرات الحربية النفّاثة. تلك التي تقصف القواعد الإيرانية في سوريا منذ سنوات، أمام عجز إيراني عن الردّ عليها، أو “إجبارها على التراجع إلى الخلف”.
لكن ما هي هذه المنظومات؟
يعتقد العميد حلو أنّ لدى الحزب أنواعاً مُختلفة من وسائط الدّفاع الجوّيّ، أوّلها صواريخ IGLA الرّوسيّة، وصواريخ “SAM7” ومنظومات إيرانيّة مضادّة للطّائرات النّفّاثة، لكنّها حتّى السّاعة لم تُثبت فعّاليّتها. ويشير إلى أنّ تحليق الطّائرات الحربيّة على مستوى منخفض في أجواء الجنوب يهدف لإجبار الحزب على تشغيل رادارات المنظومات الدّفاعيّة، وهذا يُسهّل كشفَ المنظومة عبر الكشف الإلكترونيّ وأجهزة الرّصد. وذلكَ لأنّ المنظومات الدّفاعيّة لا تستطيع العمل ضدّ الأهداف من دون توجيه من الرّادارات.
يستبعد حلو أن تكون لدى الحزب منظومات باور 737 الإيرانيّة، وهي منظومة متطوّرة تشبه S300 الرّوسيّة، ويعمل رادارها على كشف الأهداف على بُعد 320 كلم وتستهدف الطائرات على ارتفاع يصل إلى 27 كلم، ولديها قدرة على تحمّل وسائط الحرب الإلكترونيّة.
يُعزّز رأيه هذا بأنّ الجيش الإسرائيليّ استهدف مرّات عديدة هذه المنظومات بمجرّد وصولها إلى الأراضي السّوريّة، وذلك لمنع نقلها إلى لبنان. كما أنّها منظومات كبيرة ليسَ من السّهل إخفاؤها عن الأعين الإسرائيليّة.
لكن في غالبيّة الأحيان تُحلّق الطّائرات الإسرائيليّة فوق ارتفاع 7,000 متر، وهذا هو المدى الفعّال لاستهداف الطّائرات بالصّواريخ المحمولة على الكتِف مثل IGLA وSAM7 وغيرهما.
ويعتقد حلو أنّ الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة لديها القدرة العالية على المناورة وتجنّب صواريخ المنظومات الدّفاعيّة، إذ إنّ أيّ صاروخ دفاع جوّيّ يعمل في مرحلته الأخيرة على ملاحقة محرّك الطّائرة عبر استشعار الحرارة، وهذا ما يُمكن تجنّبه بسهولة عبر إطلاق البالونات الحراريّة.
كلّ هذا يعني أنّ “سلاح الجوّ” الذي أعلن عنه الحزب هو في مرحلة بدائية، ليست كافية لإسقاط طائرات حربية أو لدفعها إلى التراجع، كما تقول البيانات التي يطلقها الحزب. بل هي تشكّل تهديداً أوّلياً على الطائرات المسيّرة. وبالتالي فإنّنا أمام لحظة “إنشاء” قوّة دفاع جوّي، ولسنا أمام “منظومة دفاع جوّي”. وسقف هذا “السلاح الجوّي” هو استهداف طائرات من دون طيّار، بحمولات خفيفة، قد تخفّف من مجزرة الاغتيالات التي تطال كوادره، لكنّها لن تكون قادرة على “إجبار الطائرات الحربية على التراجع”، كما قالت بياناته.