"الحزب" يخاصم سلام...بأدوات المواجهة مع السنيورة

بوقوف رئيس كتلة "حزب الله" النيابية على منبر القصر الجمهوري، وتأكيده أنه لن يردّ على تصريح رئيس الحكومة نواف سلام "حفاظاً على ما تبقى من ودّ"، يعود شريط الذاكرة 19 عاماً الى الوراء، حين افتعل الحزب أزمة مع الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة، ودعا أمين عام الحزب الراحل حسن نصرالله الى "إسقاط حكومة السفير فيلتمان"!

يتشابه الحدثان بتدرج مواقف الحزب فيهما من الترحيب برئيس الحكومة، ثم التحفظ رغم الاتصالات المتواصلة بينهما، ثم فتور العلاقة، وصولاً الى التوتر والقطيعة. لم تصل علاقة الحزب بالرئيس سلام الى هذا المستوى بعد، لكن ما كان يدور، قبل 19 عاماً، في أحاديث الشارع والساحات ومقاهي الرصيف في الضاحية، يدور الآن في مواقع التواصل الاجتماعي. 

في الحالتين، لم يسأل جمهور الحزب عن فحوى الخلاف، أو عن الأسباب الدافعة لتوتر يبدو مفتعلاً. فما قاله سلام خلا الأيام الأخيرة عن حصرية السلاح، هو حرفياً ما ورد في البيان الوزاري لحكومة سلام التي يشارك الحزب بوزيرين فيها، ومنحها الثقة بناء على بيانها الوزاري. ويتقاطع الى حد كبير مع خطاب قسم رئيس الجمهورية جوزاف عون. أما الحديث عن إيران، فهو تجسيد لمبدأ السيادة التي يتحدث عنها جميع الأقطاب اللبنانيين.. وتالياً، فإن إيحاءات النائب محمد رعد بعدم الردّ، تبدو مفتعلة، ولا تخرج من إطار محاولات تعبئة الشارع ومواقع التواصل، تكراراً لما حصل في العام 2006 حين استقال وزراء الثنائي وحلفاؤهم من الحكومة. 

البحث عن خصم داخلي
والحال إن الحزب، بعد كل معركة مع إسرائيل، يبحث عن خصم داخلي لتسجيل انتصارات عليه. يمتلك جميع الأدوات التي تؤهله لخوض معارك طواحين الهواء: خطاب مظلومية، خطاب الدم، خطاب التقاعس عن تلبية احتياجات المواطنين وفي مقدمها إعادة الإعمار، خطاب الحرمان، خطاب إهمال الدولة لحاجات الجنوبيين، وخطاب الوطنية والتبعية...

وسلام، بهذا المعنى، هو خصم دَسم، يشبه الى حد بعيد الخصومة مع السنيورة. هو مدعوم عربياً ودولياً، بما يتيح توجيه رسائل عبره.. وفي الوقت نفسه، هو شخصية مستقلة وتكنوقراط، لا يتزعم حزباً، ولا يملك ذباباً الكترونياً، ولا مناصرين على دراجات نارية وفي مقاهي الأحياء.. ما يعني أن الهجوم عليه، يمكن أن يمرّ من دون تداعيات أمنية في الشارع. بمعنى آخر، يظن الحزب أنه يمكن استخدام الخصومة مع رئيس الحكومة، كصندوق بريد دولي، من دون أن يُستدرج الحزب الى توتر في الشارع. 

بين سلام و"اليونيفيل"
يتقاطع توظيف هذه الوضعية، مع توظيفات مشابهة يتقنها الحزب في التوترات المتكررة مع قوات "اليونيفيل" في الجنوب، عبر مدنيين، أو حتى محازبين غير مسلحين. سلمية "اليونيفيل"، كما سلمية سلام، تدفع الحزب لاختبار الخصومة، ومخاطبة الاندفاعة الدولية الداعمة للطرفين، باستعراض التوتر. يستفيد الحزب من ذلك بالهروب الى الأمام، عبر اختلاق خصم يرمي عليه تبعات انتكاساته العسكرية، وتهدئة الجمهور الغاضب من العنجهية الاسرائيلية وأحقاد العدو، عبر إشغاله بمعارك وهمية داخلية.

والتفسيرات تلك، لمعركة لا داعي لها في ظل "الموج الأميركي العالي" في المنطقة، هي القراءة الأكثر احتمالاً لسلوك إعلامي بدأ تطبيقه في الاسابيع الماضية.. ذلك أن دحض هذه الفرضية، سيقود الى قراءة أخرى، وهي محاولات إلغاء سلام، إسوة بمحاولات الحزب السابقة لالغاء السنيورة والتي فشلت في غزوة بيروت في 7 ايار 2008، وتوّجت السنيورة رئيساً لحكومة إئتلافية بعد انتخاب الرئيس ميشال سليمان، حتى الانتخابات النيابية في 2009. وبالتأكيد، لا مصلحة للحزب في اختبارها، بالنظر الى أن أقل تداعياتها المحتملة، ستتمثل في عزلة البلد، وهو ما لن يقبل به حلفاء الحزب، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب نبيه بري. 

بافتعال الخصومة مع نواف سلام، يقاتل "حزب الله" طواحين الهواء. البلد غارق في آمال صيف واعد، وضغوط دولية تتعاظم يومياً، لن يخفف منها إلا تثبيت الوحدة الوطنية، والقراءة في كتاب واحد، والالتفاف على الجميع، بمن فيهم رئيس السلطة التنفيذية، للعبور بالبلد وأهله نحو برّ الأمان.