المصدر: أساس ميديا
الكاتب: وليد شقير
الثلاثاء 7 تشرين الأول 2025 08:19:36
قصّة “الحزب” مع “الصبر” لا تنتهي من كثرة اعتماده على هذه الميزة التي يلجأ إليها المرء عند المصائب. منذ إعلانه حرب إسناد غزّة قبل سنتين، أكثر “الحزب” من دعوة جمهوره وسائر شعوب المنطقة إلى الصبر، بدلاً من إخراج نفسه من مصيبة مغامرتِه القاتلة. بات مربكاً حيال موافقة “حماس” على خطّة دونالد ترامب لوقف حرب غزّة، التي اعتبرها قبل ساعات استسلاماً لبنيامين نتنياهو. يكاد يصبح وحيداً في “الممانعة” حين تعتمد “حماس” مخرجاً لتسليم سلاحها إلى “الدولة” الفلسطينيّة، فيما هو يضطرّ إلى تقزيم مبرّر رفضه تسليم السلاح لـ”الدولة” اللبنانيّة من حجّة تحرير الأرض إلى معركة للدفاع عن جمعيّة “رسالات”.
تقول إحدى الروايات عن ظروف موافقة “حماس” على خطّة ترامب إنّ عاملَين من عوامل عدّة ساهما في ترجيح خيارها:
إذا صحّت هذه الرواية فهي تفسير واقعيّ لتراجع تأثير إيران على وقف الحرب، وهو ما يجعل “الحزب” في مأزق.
لجأ الأمين العامّ الشيخ نعيم قاسم إلى حجّة جديدة لتبرير احتفاظه بسلاحه بدلاً من تحرير الأرض: التنطّح لمواجهة “إسرائيل الكبرى”. أغفل أنّ المواجهة باتت منذ قمّة الدوحة العربية الإسلامية مهمّة الدول العربية الرئيسة المعنيّة والمستهدَفة بهذا المشروع، لا مهمّة إيران وميليشيا تابعة لها.
حال انقياد “الحزب” لأجندة طهران بوجوب فتح جبهة لبنان لمساندة “حماس” دون مراجعة قراره الذي أوقعه في حسابات خاطئة لموازين القوى. ولأنّه لا يستطيع ردّ طلب المرجعيّة العليا في إيران، لجأ إلى الدعاء و”الصبر”، إزاء الخسائر التي بدأت تتكشّف في الأيّام الأولى من انخراطه في الحرب. تقتضي هذه الأجندة توفير أوراق ضغط من أجل التفاوض الإيرانيّ مع أميركا والدول الغربيّة.
مأزق “الحزب” باللّجوء إلى الصّبر
في خطاب له في 3 تشرين الثاني 2023، أي بعد 25 يوماً فقط على انطلاق حرب إسناد غزّة، توسّع السيّد حسن نصرالله في شرح ظروف وخلفيّات المواجهة التي كانت دائرة في الجنوب. خاطب “كلّ الشعوب المقاوِمة في المنطقة”، معدّداً “الانتصارات” السابقة من لبنان إلى “غزّة والضفّة، إلى العراق وصولاً إلى أفغانستان”. وختم كلامه الذي دام زهاء ساعة في حينها بالقول: “المعركة هي معركة الصمود والصبر والتحمّل وتحقيق الإنجازات وتراكمها وإفشال العدوّ ومنع العدوّ من تحقيق أهدافه. هكذا سننتصر”. ولم يفُته التأكيد أنّ “هذا وعد الله”.
كان التفوّق الإسرائيليّ حينها بدأ يصطاد قادة قوّة “الرضوان” على الحدود واحداً تلو الآخر، ويدمّر قرى الحافة الأماميّة بالتدرّج، ويستهدف المدنيّين والبنى التحتيّة للدولة وللاقتصاد الجنوبيّ، ويفاقم أزمة التهجير ويرسم ما بات منطقة عازلة. وظلّ “الحزب” يتحدّث عن “قواعد الاشتباك” التي لم تكن موجودة إلّا من طرف واحد، لتبرير قرار إيران عدم توسيع الحرب، حتّى لا تتورّط فيها. كان كلّ هذا وغيره يتطلّب دعوة الجمهور إلى التحلّي بالصبر الذي لم يكن يعني إلّا التكيّف مع تعليمات طهران.
لا حاجة إلى العودة لمسار الحرب، بل الحروب، منذ “طوفان الأقصى” إلى اليوم لإدراك حصيلة “الصبر”.
لكنّ الشيخ قاسم عاد إلى النغمة ذاتها في خطابه قبل 3 أيّام. قال: “عندما بدأوا بالخروقات الإسرائيليّة، كانوا يتوقّعون أن نردّ بخروقات أيضاً، فنعطيهم مجالاً أنّهم يخرقون ونخرق، ويتوحّشون أكثر تحت عنوان أنّنا نحن السبب. نحن اتّخذنا قراراً بأنّ الدولة هي المسؤولة، وعلينا أن نصبر، وبالتالي أسقطنا هذه الخطوة”.
موقف قاسم هذا تكرارٌ شبه حرفيّ لتصريح لأمين المجلس الأعلى للأمن القوميّ الإيرانيّ علي لاريجاني، سبقه بـ3 أيّام، وقال فيه: “الحزب لا يتحرّك الآن لأنّه لا يريد الإخلال بوقف إطلاق النار في لبنان مع إسرائيل، وإلّا فهو يمتلك القدرة على قلب الموازين”.
تخبّط مواقف “الحزب”
من مظاهر التخبّط في الخطاب نفسه أنّ قاسم قال: “عندما نواجه إسرائيل، علينا أن نواجهها كلٌّ من موقعه وبحسب قدرته وبحسب خطّته”. وهو اعتراف بأنّ لكلّ دولة خصوصيّتها. واعترض على خطّة ترامب باعتبارها “خطّة إسرائيليّة بلبوس أميركي أو بعرض أميركي”. ورأى أنّ “إسرائيل تأخذ الأرض فتبقى مسيطرة عليها أمنيّاً، وتُجرّد من السلاح بالكامل، وتُخرِج المقاتلين بالكامل، وعندما تكون الإدارة دوليّة ولا قدرة للفلسطينيّين أن يديروا شأنهم، وستأخذ الأسرى من الأيّام الأولى، يعني تجريد المقاومة من أوراق القوّة”.
ثمّ عاد “الحزب” فأصدر بياناً في اليوم التالي أيّد موافقة “حماس”، معتبراً أنّ هذا الموقف بمقدار ما ينطلق من الحرص الشديد على وقف العدوان الإسرائيليّ الوحشيّ على أهلنا في قطاع غزّة، يؤكّد من جهة أخرى التمسّك بثوابت القضيّة الفلسطينية ويعبّر عن تمسّك حركة حماس ومعها كلّ فصائل المقاومة بوحدة الشعب الفلسطيني.
بانتظار مفاعيل الموافقة الحمساويّة على خطّة ترامب، ومعالجة الدول المعنيّة، ولا سيما مصر، النقاط الغامضة فيها، هل يراجع “الحزب” الوقائع الجديدة؟ فحججه تتهاوى الواحدة تلو الأخرى كلّما ابتدع حجّة جديدة، فيرفع بذلك وتيرة توظيف احتفاظه بالسلاح لدوافع داخليّة.