المصدر: وكالة الأنباء المركزية
السبت 13 حزيران 2020 14:43:33
كشف خبراء ماليون واقتصاديون ان الحكومة اللبنانية اقفلت على نفسها ابواب المخارج والحلول لمجموعة الأزمات التي تعصف بالبلاد لمجرد التفكير بحصرها بما هو مالي وإقتصادي ومعهما الآليات الأمنية التي تحميها من دون البحث عن المخارج السياسية التي يمكن ان تفتح آفاقا جديدة في انفاق الأزمة المتشابكة والمعقدة.
ويعترف البعض من هؤلاء الخبراء انه ليس من المنطقي تجاهل الكثير من المخارج المقترحة والمتداولة على أكثر من مستوى ولا سيما منها على المستوى السياسي والدبلوماسي لخرق الطوق الذي يحيط بالعهد ومعه الحكومة والذي وضع لبنان في منزلة بين الاختناق الداخلي والحصار الخارجي. وان لجأ البعض منهم الى تبرير ذلك بحال الإغلاق الدولية التي تعيشها الكرة الأرضية جراء جائحة الكورونا فان ذلك ليس منطقيا على الإطلاق.
فقبل ان تتوسع الجائحة الوبائية وما عكسته من ترددات سلبية على حياة الدول والمؤسسات كان لبنان يعاني من اختناق دبلوماسي وحصار خارجي ناجم عن الانحراف المخيف في توجهات لبنان الخارجية بعكس ما تقود اليه السياسات الدولية للدول الصديقة والمانحة وتلك التي حمت لبنان لسنوات مما يجري من حوله من بحور الدم تحت شعار "النأي بالنفس" واعترافا بـ "الخصوصية اللبنانية" التي تحمي الوطن الصغير في حرب الأحلاف الكبرى الدائرة في المنطقة.
لم يكن المطلوب من لبنان ان يقدم قدراته العسكرية والامنية في مواجهة الإرهاب تقديرا من القوى الكبرى لحجمها المتواضع. ولم يكن المطلوب منه سوى الحفاظ على السلم الداخلي واستيعاب موجات النزوح السوري وتداعياتها على اوجه حياة اللبنانيين المختلفة. فلبنان تحول على مدى السنوات الخمس الأولى من الأزمة السورية مستوعبا للنازحين وممرا ومعبرا إجباريا لكل البعثات الدولية والأممية الدبلوماسية منها والانسانية وتلك المكلفة بمراقبة التزام النظام السوري بتفكيك قدراته من الأسلحة الكيماوية المحظورة بعد وقف استخدامها في الحرب الداخلية.
وعلى هامش هذا الدور الذي حظي به اللبنانيون فقد توالت المساعدات والهبات الدولية والإقلمية لمواكبة هذه المرحلة الصعبة قبل ان يتضامن اهل السلطة في اعقاب التسوية السياسية العام 2016 عن عجز او عن قبول بالإنجراف الى محور الممانعة في مواجهة الحلف الدولي علما ان لبنان كان من هذه المجموعة منذ اعلان جدة في 11 ايلول 2014 وشارك في مختلف المؤتمرات واللقاءآت الدولية التي عقدت في واشنطن وجنيف والرياض ونال نصيبه من المساعدات العسكرية وخلافها.
كل ذلك كان يجري على خلفية ابعاد لبنان عن كل أشكال التوتر الداخلي في ظل انغماس فئة كبرى من اللبنانيين في الحرب السورية مبررة تورطها بانتمائها الى المحور الإيراني تحت عباءة القيادة الروسية للمواجهة القائمة منذ دخول الروس بداية خريف 2016 في الحرب السورية بقواهم العسكرية واللوجستية المتطورة.
وعليه يعترف الخبراء بان معادلة " اعلان بعبدا" حمت لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي على مدى عامين ونصف العام، وبقي ينعم بالحد الأدنى من الهدوء المضمون رغم محاولات ضرب السلم الأهلي الى ان جاءت التسوية السياسية التي رعت انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية فتسارعت خطوات الرعاية الرسمية لسلوك المتورطين في الحروب العربية وتحديدا في سوريا والعراق واليمن فبدات المواجهات التي خاضتها وزارة الخارجية في القمم العربية ومؤتمرات وزراء الخارجية العرب ومختلف اندية الجامعة العربية تستجدي الرفض والحصار العربي والخليجي تحديدا قبل الدولي على خلفية تبني خيارات "الممانعة" و"المقاومة" والانتصار للنظام السوري المطوق من كل الجهات العربية والدولية.
وبقي الوضع على هذه الحال الى ان جاءت الإنتخابات النيابية بأكثرية عززت المواجهة بين لبنان الرسمي والعالم الحر. فشكلت محطة لبدء الحصار السياسي ومن بعده الإقتصادي والمالي فحلت القطيعة شبه الشاملة في الأشهر القليلة الماضية لتزيد من عزلة لبنان العربية ولولا بعض المبادرات الغربية والفرنسية منها تحديدا التي سعت الى احياء مؤتمر "سيدر واحد" لترك لبنان وحيدا حتى في مرحلة المواجهة مع جائحة الكورونا التي اعادت وصله بالخارج من باب المساعدات الانسانية والطبية وتلك التي قدمتها منظمة الصحة العالمية بمعزل عن الخلاف السياسي الكبير بين النظرة اللبنانية الى ازمة المنطقة ورؤية العالم الحر.
ومن هنا يصر الخبراء على القول ان ما اتخذ من حلول مالية ومصرفية تحتكم الى الدرع الأمني لن تشكل حلا والدليل سيتلمسه اللبنانيون في الأيام القليلة المقبلة ولن تصمد التجرية الأخيرة لاسابيع والسبب يعود الى المعطيات الآتية:
-ان ضبط السوق النقدي لضمان التحكم بسعر الدولار تحتاج توافر ما بين 700 و900 مليون دولار في الأسابيع الأربعة المقبلة لتكون في متناول الساعين الى تملك العملة الخضراء لقضاء ابسط حاجاتهم اليومية وبعض الخدمات التي لم تتحرر بعد من الدولار او العملات الأجنبية الأخرى.
_ ان الفلتان القائم على الحدود البرية يسمح بتهريب الدولار الى سوريا التي تعاني من حصار اقتصادي سيزيد منه البدء بتطبيق "قانون قيصر" في الأيام المقبلة وهو امر خطير للغاية. فالأسواق السورية ستستوعب الدولار المدعوم وغير المدعوم الموجود في لبنان ايا كانت الكلفة وما يجري في سوق الصيرفة خير دليل.
- الفشل في امكان استدراج صندوق النقد الدولي الى تقديم مساعدات عاجلة للبنان لمواجهة تداعيات الوضع القائم بوجوهه المختلفة.
_ الاستمرار بالمناكفات السياسية بين اهل الحكم والحكومة وما يمكن ان تؤدي اليه سيبقى سيفا مصلتا على الرأس الحكومي بعدما اهتزت صورة رئيسها "المتهاون" في صلاحياته لصالح قوة قادرة وفاعلة تفرغ قراراته من مضمونها ساعة تشاء وهو ما يهدد بامكان التفاهم على الخطوات اللاحقة ما لم تستمر سياسة الفرض.
- استمرار الفلتان في الشارع وعدم قدرة الانتفاضة المطلبية على حماية تحركاتها من "جائحة الدراجات النارية" التي تهدد وتشيطن مطالبها امر له عواقب وخيمة على اكثر من مستوى ولا سيما لجهة فشل اي محاولة تحيي الثقة بين المواطن ودولته قبل توافر الثقة الخارجية.
على هذه الخلفيات ينتهي الخبراء الاقتصاديون الى التعبير عن شعورهم بالقلق على ما سيكون عليه الوضع في وقت قريب فكل الحلول المطروحة لا تمتلك القدرة على تحقيق اي من غاياتها المعلنة وان بقي الأمر على هذا النحو فكل السيناريوهات السلبية متوقعة بما فيها الوصول الى مرحلة فقدان مصرف لبنان القدرة على توفير متطلبات اللبنانيين اليومية من خبز ونفط وغذاء ودواء وعندها هل يمكن لأحد تقدير ما يمكن ان تشهده البلاد من فوضى؟ وهل سيكون بقدرة القوى العسكرية والأمنية ضمان الأمن المطلوب ان انضم عناصرها الى موجات الجائعين والفقراء؟