الدواء مفقود والمسؤولون مسنكفين بعض...صيدلي يصف الحالة المذرية ويكشف الواقع!

من يتحمّل مسؤولية إقفال الصيدليات وعدم تأمين الأدوية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يفلت ملقّ الأمن الصحي، ويضطر المواطن إلى الدفاع عن حقه في الحصول على دواء حقيقي من الشركة المنتجة الأصلية، وليس بدواء مهرب أو مزور قد يكون “سماً للمواطن” كما حذر نقيب الصيادلة غسان الأمين.

وزير الصحة يطلق الوعود في الاجتماعات وحكومة تصريف الأعمال “مطنشة” عن معالجة مثل هذا الموضوع الحساس، بسبب ترددها في اتخاذ قرارات مدروسة تصب في خانة دعم المواطن، وتترك الحبل على الغارب، لتسير الأمور نحو فوضى السوق والقرارات الشخصية، التي دفعت ببعض أصحاب الصيدليات إلى الإقفال، فالصمود في هذه الأزمة صار صعباً وسياسة التعجيز مستمرة والتخلي عن تحمل المسؤولية من أولي الأمر يدفع بالصيدليات إلى أخذ قرارات قسرية “مجبر عليها لا بطل” في غياب أي خطة تكفل تحسين الوضع القائم.

من المعروف أن الصيدليات في لبنان كما كل القطاعات تعاني من أزمة ارتفاع سعر الدولار ولكن هي اليوم أمام خيار صعب وهو الإقفال، كما حصل في بعض الصيدليات لا سيما في الجنوب إثر عطلة العيد، بسبب العجز عن تأمين الأدوية للناس بالدرجة الأولى.

الأمين: أقفلوا الأبواب بوجهنا

يوضح النقيب غسان الأمين الوضع لـ”لبنان الكبير” بأن “الصيدليات لا تهدد بالإقفال هناك 600 أو 700 صيدلية أقفلت في السابق، ولكن المشكلة الآن هي بعدم وجود دواء في السوق، الشركات تقول إنها لا تستورد لأن مصرف لبنان لا يؤمن لها الدولار المدعوم، وهي لا تسلم الصيدليات الدواء فلماذا تفتح الصيدليات أبوابها؟”.

ويؤكد الأمين أن “مشكلة تأمين الدواء لا تعني الصيدليات فقط، والحلول ممكنة ولكن أصحاب الربط والفصل غائبون. لا أحد يتحدث مع أحد، لا رئيس الحكومة يتحدث مع حاكم مصرف لبنان ولا مع الوزراء المعنيين بهذه الأزمة ولا مع المؤسسات المعنية مثل الضمان الاجتماعي والنقابات الصحية. هذا الموضوع يحتاج إلى نقاش على مستوى عال. لكن يبدو أن لا أحد مدركاً حجم المشكلة. المسؤولون كأنهم يعيشون في عالم آخر ويتصرفون وكأنهم غير معنيين بإيجاد الحلول. هناك حلول ممكنة تحتاج إلى بحث على الطاولة بحضور جميع المعنيين”.

ويأسف الأمين للوضع بعدما لمس عدم اهتمام أصحاب القرار بمعالجة هذه المشكلة، ويقول: “مسنكفين بعض. لا أحد يريد الكلام مع الآخر، رئيس الحكومة يقول لا ترفع الدعم، حاكم مصرف لبنان يرد لا يوجد معي مصاري، وهذا يعني أن رفع الدعم أصبح أمراً واقعاً. وهنا لا بد من موقف للبحث عن حل في اجتماع مشترك يضم كل المعنيين بأزمة الدواء والقطاع الصحي، تدرس خلاله الإمكانات المتوافرة، وحسب هذه الإمكانات تعرض الحلول المناسبة من قبل أصحاب الاختصاص. فماذا ينفع اذا اقترح الصيدلي اسم دواء مثلاً ورفضه الضمان الاجتماعي؟ ولماذا لا يعلن حاكم مصرف لبنان عن إمكانات المصرف للدعم بمبلغ محدد مثلاً وعلى أساسه يتم الحديث عن خيارات بديلة؟”.

ويطمئن الأمين إلى أن “وضع الصيدليات جيد، فالإقفال ليس بسبب مطالب أو وضع الصيدليات، بل بسبب انقطاع الدواء، لا تسليم للدواء. ومقابل فقدان الدواء كل المشكلات الأخرى عند الصيادلة لا قيمة لها”.

ما هو واقع الصيادلة على الأرض؟

يصف الصيدلي أمين شاهين الوضع بمثل حي: “منذ صباح اليوم وحتى الساعة الثانية بعد الظهر دخل إلى الصيدلية، حوالي 150 زبوناً، هناك فقط من بينهم 20 شخصاً اخذوا الأدوية التي طلبوها وليس كل الأدوية حتى إني صرت أرى وجوهاً غريبة، وهذا دليل على أن الناس تنتقل من صيدلية إلى أخرى حتى تجد ما تريده ومؤشر على انقطاع الأدوية والحاجات الطبية الأخرى، من المؤكد أن تواجدنا داخل الصيدلية من الصباح وحتى الليل لا فائدة منه، إذا لم نكن قادرين على تلبية حاجات الناس من الأدوية، عدا عن المشكلات التي تترتب على ذلك. فالبعض يتهمنا بإخفاء الدواء بانتظار رفع سعره، وهذا غير صحيح. فأدوية الأمراض المزمنة سعرها سيبقى مدعوماً ولن ترتفع أسعارها، في حين أدوية السعال والالتهابات معظمها صار مفقوداً وغير متوافر. والمسألة ليست تهديداً بالإقفال. لا حليب متوافراً للأطفال. ولا أدوية. ماذا سنفعل معظم مبيعاتنا صارت مقتصرة على صبغات الشعر والشامبو ومعجون الأسنان التي يجدها الناس في أي سوبرماركت. أنا مثلاً منذ 4 أشهر بطلّع مصروف الصيدلية فقط، رواتب موظفين واشتراك الموتور والإيجار والتلفون وأعتمد في معيشتي العائلية على حسابي الخاص، ووضعي أفضل ربما من غيري. فماذا عن الصيدليات الصغيرة أو الكبيرة التي لا تستطيع تحصيل المصاريف؟ ستكون أزمتها أكبر”.

ويوضح شاهين أن “نقيب الصيادلة دق ناقوس الخطر الذي يتهددنا وأعطى الإنذار الأخير لحل مشكلة الدواء قبل فوات الأوان، وطالب بتحسين طريقة تحويل الدفع للشركات، لأن التقصير في هذا المجال سوف يفتح باب التهريب والتزوير في الأدوية، وهذا يعني تدمير قطاع مهم بالبلد عبر تعريض الناس لتناول سموم كثيرة. وعملت النقابة بالتنسيق مع وزارة الصحة على تقديم حل ولو مؤقت لثبات عمل الصيدليات من خلال رفع الجعالة للصيدلي”.

ويؤكد شاهين أن “وضع الصيدليات حالياً وصل إلى مرحلة الخطر حيث إن الأدوية التي تباع حالياً هي أدوية otc ومعظم أنواع حليب الأطفال والأدوية المزمنة مقطوعة ومفقودة”.

ويوضح: “هناك بعض الحلول التي يجري الحديث عنها مع قرب رفع الدعم عن الأدوية otc التي تصرف بدون وصفة طبية. وهذه الأدوية تشكل حوالي ٤٠ بالمئة من معظم المبيعات، ورفع الدعم سيكون على سعر صرف المنصة أي٣٩٠٠ وهكذا يتم تحسين ربح الصيدلي، حيث يتقاضى نسبة أرباح معينة من سعر الدواء”.