الدولار بين تجاوزات ميقاتي وتواطؤ المصارف: انخفاض يسبق التحليق

تتذرّع السلطات الرسمية السياسية، النقدية والمالية بسعيها إلى لجم انفلات سعر صرف الدولار، وإن مؤقتاً، لكن ليس من باب الإصلاحات أو التخطيط لكيفية استعادة العملة الوطنية قيمتها، إنما من باب توفير عودة آمنة للمصارف بعد إغلاق أبوابها على مدى أسبوعين. وقد ترجم رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بالأمس السعي للعودة الآمنة للمصارف وتعليق إضرابها، من خلال إغلاق ملف ملاحقتها قضائياً وتأمين الحماية لها وللمرتكبين من المصرفيين، وإن من خلال تدخل سافر بالقضاء بصورة مباشرة.

اجتماع مؤجل
أثبتت السلطة السياسية بالأمس تواطؤها مع جمعية المصارف لمواجهة القضاء، وليس المقصود كل الجسم القضائي، إنما بعض القضاة الذين استعصوا على المصارف. أما إغلاق المصارف أبوابها منذ قرابة الاسبوعين، فيعود فقط لمحاولتها التهرب من استلام أي بلاغات قضائية، لاسيما أن المصارف استمرت بتسيير أمور غالبية المواطنين عبر الصرافات الآلية، وتمرير عمليات الاستيراد والتصدير عبر فروعها.
وبعيداً عن تدخّل ميقاتي "النافر" بالقضاء، من خلال الطلب من وزير الداخلية الإيعاز للأجهزة الأمنية بعدم الامتثال لأوامر القاضية غادة عون فيما خص ملاحقة المصارف، كان من المقرر أن يعقد ميقاتي في الساعات المقبلة اجتماعاً في السراي الحكومي بحضور وزير المال وحاكم مصرف لبنان للبحث في آلية لجم انفلات سعر صرف الدولار، إلا أن احتدام التجاذب بشأن قراره الأخير، استدعى تأجيل الاجتماع إلى حين التوصل إلى صيغة نهائية تدفع المصارف إلى تعليق الإضراب.

وبعد تقييد حركة القاضية غادة عون باتجاه المصارف، وإرسال إشارات علنية واضحة للمصارف، تعكس استماتة السلطة السياسية للدفاع عنها ودعمها في إخفاء أي معلومات عن القضاء، يحاول ميقاتي من خلال اجتماعه المرتقب أن يظهر للبنانيين بصورة الساعي لتخفيف العبء المعيشي عنهم، من خلال سعيه لفتح المصارف أبوابها من جديد، وخفض سعر صرف الدولار في مقابل الليرة.

حقيقة إغلاق المصارف
لكن لا بد للبنانيين أن يعوا أن ارتفاع سعر صرف الدولار الفعلي إلى مستويات قياسية فاقت 82000 ليرة، لم يكن سببه الوحيد إغلاق المصارف، كما أن إغلاق المصارف أبوابها لم يمنع مصرف لبنان من بيع الدولارات عبر منصة صيرفة. كل ما نتج عن إغلاق المصارف هو حمايتها من تلقي البلاغات القضائية. وهذا ما يفوق بخطره على الملف المصرفي خطر ارتفاع سعر الصرف.

بمعنى أن الإقفال يهدف أولاً واخيراً إلى الضغط على القضاء، وقطع الطريق على التبليغات. وحسب مصدر مصرفي لـ"المدن"، لا ضرر من استمرار الإضراب. إذ انه لا يؤثر بشكل كبير لا على الدولة ولا على المواطنين، فهو إضراب جزئي، وقد اعتاد المواطنون على التعامل مع المصارف عبر الصرافات الآلية. ثم أن العملاء الذين يضطرون للدخول إلى البنك هم قلة. والشركات والمصدرون والمستوردون لم يتوقف عملهم. ويقولها المصدر بوضوح: "الإضراب ما هو إلا إغلاق أبواب وتغيير طبيعة تعامل، وضمان عدم تسلم المصارف أي بلاغات من القضاء".

هل يتدخل المركزي؟
يستعد حاكم مصرف لبنان لزيادة حجم تدخله بالسوق رغم تضاؤل قدرة البنك المركزي على التدخل، في سبيل لجم سعر صرف الدولار، "وإن مؤقتاً"، تزامناً مع فتح المصارف أبوابها وفق ما هو متوقع في وقت قريب. يحاول رأسا السلطة السياسية والنقدية من خلال حراكهما الأخير استقطاب الرأي العام، وربط مسألة حماية المصارف من الملاحقات القضائية باستقرار سعر صرف الدولار. إنما في حقيقة الأمر، أن تدخل ميقاتي والضغط لوقف ملاحقات المصارف هو مشاركة علنية في جريمة ضياع ودائع اللبنانيين، وتهرّب المصارف من المسؤولية.

مصير سعر الدولار
بالواقع، قد ينجح اجتماع ميقاتي، سلامة، وخليل، المقبل في التأثير نظرياً على سعر الدولار، بعد تهيئة الأرضية أمام المصارف لتعليق إضرابها وفتح أبوابها بأمان، بعيداً عن الملاحقات القضائية في الوقت الراهن. لكن ذلك "النجاح" إن حصل، فلن يدوم طويلاً. إذ أن العوامل الفعلية الدافعة لارتفاع سعر الدولار وانهيار الليرة لا تزال قائمة، ولن تغيرها قرارات مشبوهة من هنا وإجراءات مخالفة من هناك.

بمعنى آخر، من المرجّح أن يتراجع سعر صرف الدولار في المرحلة المقبلة، فيما لو استأنفت المصارف فتح أبوابها، غير أن التراجع سيتم بفعل الصدمة الإيجابية، وسيكون شكلياً ومؤقتاً، في حين سيستأنف سعر الدولار مساره الصعودي في وقت لاحق، في ظل استنفاد مصرف لبنان كل وسائل التحكّم بالسوق من جهة، وبالنظر إلى غياب السياسات المالية والاقتصادية الإصلاحية من جهة أخرى. ومن غير المستبعد أن يفوق سعر صرف الدولار في المرحلة المقبلة مستواه الحالي وربما أكثر.. إنما بشكل تدريجي.