الدولة الفاشلة أخفقت في إيواء النازحين ...خطة صورية والإتكال على الإحتضان الإنساني

لم يكن مشهد أرتال السيارات المتوقفة على طول الأوتوستراد من الجنوب إلى بيروت مع بدء تنفيذ عملية "سهام الشمال" كما أطلقت عليها إسرائيل أقل وقعا ومأساة من حدة القصف ومشاهد الموت المتنقل من جراء الغارات الإسرائيلية.

هي ليست المرة الأولى التي يخرج فيها الجنوبيون من بيوتهم هربا من القصف وبحثاً عن ملاذ آمن لكن نزوح حوالى نصف مليون من أقضية الجنوب والهرمل والبقاع والضاحية الجنوبية والليلكي نحو مناطق بيروت والشمال وجبل لبنان وصولا إلى سوريا فرض إشكالية إنسانية وإجتماعية وحتى أمنية.

وعلى رغم احتضان اللبنانيين من كافة المناطق للنازحين وإسقاط كل الإعتبارات السياسية والخلفيات الطائفية إلا أن ثمة إشكالات حصلت بين مجموعات من النازحين وأهالي المناطق في كل من جبل لبنان وبيروت وطرابلس ويُخشى أن تتطور علما أنه في كل مرة يحصل إشكال ما يتدخل الجيش اللبناني ويعمل على إنهائه "في أرضه".

من عائشة بكار إلى شارع الحمرا إلى عين الرمانة وعدد من مناطق جبل لبنان حيث حاول بعض النازحين اقتحام مبانٍ سكنية شاغرة بسبب وجود أصحاب الشقق خارج البلاد مما أدى إلى حصول صدامات مع أهالي المنطقة التي تحصل فيها إشكالات وتدخل الجيش اللبناني وإخرجهم من المنطقة...

عينة من الحوادث ومظاهر مستجدة على صعيد الأمن الإجتماعي بدأت تتظهر مع دخول النازحين إلى مناطق كانت حتى الأمس القريب في الجهة المقابلة للنازحين وغالبيتهم من بيئة حزب الله. لكن أمام المأساة الإنسانية تسقط كل الإعتبارات وتدفن الخلفيات إلى حد ما. هذا أقله بالنسبة إلى البيئة التي تحتضن النازحين لكن الخشية أن تتطور وتتمدد المجمعات التي تسعى إلى استفزاز أهالي المناطق ويقع المحظور.

كبير الباحثين في "أمم" للتوثيق والأبحاث عباس هدلا، يشير إلى أن المسؤولية تقع أولا على السلطة التي تُسيِّر الدولة في تنظيم عملية النزوح مما يسمح بوقوع إشكالات ذات خلفية مذهبية وطائفية. ويلفت عبر "المركزية" إلى أن فشل العمل الإغاثي المنوط أساسا بالدولة غير مبرر " إذ مضى على حرب المساندة عام بأكمله، لكن تبين أن هذه الدولة التي تنازلت عن حقها في السيادة وقرار الحرب والسلم فشلت في وضع خطة طوارئ لإيواء النازحين علما أنها كانت مرجحة مما سمح لبعض المجموعات من النازحين عرضة للجشع والفرض والطمع في بعض الأماكن وهذا ما أدى وسيؤدي لاحقا إلى مشاحنات وخلل أمني في هذا الإطار".

ذكريات الحرب اللبنانية الدفينة التي عاشها اللبنانيون وشهدت الكثير من المشاحنات الطائفية والمذهبية لم تمحى بطبيعة الحال، خصوصا أنها تفاعلت، حتى بعد انتهائها وهذه الحسابات قد تتحول إلى "أحداث أمنية" في هذه المرحلة. ويتابع هدلا" ثمة محطات مكبوتة في نفوس اللبنانيين وقد تتظهر في هذه المرحلة على شكل مشاحنات ذات خلفيات مذهبية لكن المقصِّر الدائم عن القيام بمهامه هي الدولة المستقيلة عن القيام بالحد الأدنى من واجبها السيادي وهذا الفشل الذي تتحمل مسؤوليته السلطة التي تسيِّر الدولة وتجعل منها "دولة فاشلة" شهدنا عليه في إدارة ملف النزوح السوري، واليوم نعيش تفاصيله المأساوية في النزوح ذي الأغلبية الشيعية مما يثبت انحلال الدولة واهترائها وعدم قدرتها في الأمور الدنيا على إيواء مواطنيها وتركهم عرضة للإستفزازات واستعراضات القوة والعنتريات واعتبار البعض أنهم مكلفون من الدولة وكل هذه المظاهر تعيد إحياء ذكرى العديد من المحطات المؤلمة التي عاشها اللبنانيون في مناطق مسيحية وسنية، إلا أنها تعبِّر بطبيعة الحال عن هزيمة نفسية وداخلية. ولو كانت هناك دولة تتولى وتتابع مسألة تنظيم عملية النزوح وتعتمد خطة طوارئ فاعلة وليس صورية بحيث تعقد اجتماعات للوزارات وهيئات الإغاثة المعنية لما كنا شهدنا على ما حصل منذ أيام في بيروت وطرابلس وعين الرمانة أقله لجهة تخفيف جزء كبير من الحوادث المتوقعة على الأرض وإيواء النازحين بطريقة منظمة ودعمهم على كافة المستويات وتأمين حاجاتهم الأساسية وعدم تركهم عرضة للإبتزاز إضافة إلى الحفاظ على أمن المواطنين في المناطق التي تأوي النازحين بطريقة أو أخرى من خلال تحييد وإبعاد من يشكل خطراً على حياتهم".

الأكيد أن أسلوب العنتريات والفرض والعيش خارج كنف ومؤسسات الدولة والذي عاشه أهالي المناطق والقرى والبلدات الخاضعة لإدارة حزب الله غير قابل للحياة في المناطق التي لجأوا إليها وبالتالي من سيضبطها مستقبلا الدولة والأجهزة اللبنانية. لكن ما يطمئن بحسب هدلا أن الإشكالات والإستفزازات التي يتولى الجيش اللبناني فضها لن تتطور إلى فتنة" الفتنة في لبنان ليست وليدة الصدفة وهي لا تحصل إلا بقرار وقد تعودنا في لبنان أن نشهد على أحداث تقع فجأة وتنتهي بصورة مفاجئة. والواضح أن صنّاع الفتنة غير جاهزين لكتابة سيناريو فتنة جديدة في لبنان. من هنا ستبقى الإشكالات محصورة في البقعة الجغرافية التي تقع فيها ويتولى الجيش اللبناني حلّها"يختم هدلا.