الذهب بين الفائدة والدولار موجة صعود جديدة تلوح في الأفق

عاد الذهب مرة أخرى ليحتل مركز الصدارة في الأسواق المالية، بعد أن خفّض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية، في خطوة قد تمهّد لسلسلة طويلة من الإجراءات التوسعية إذا استمر سوق العمل في إظهار علامات ضعف. هذه السياسة لا تقتصر على دعم الاقتصاد الأميركي داخليًا فحسب، بل تعيد فتح النقاش حول مستقبل الدولار وفرص الذهب، الذي أدى ذلك إلى صعود أسعاره إلى مستويات قياسية بلغت 3,707 دولارًا للأونصة.

تاريخيًا، العلاقة بين الذهب والفائدة واضحة المعالم فكلما انخفضت الفائدة، فقدت السندات والأصول ذات العائد جاذبيتها، وزاد بريق المعدن الأصفر كملاذ آمن. ومع كل خفض، يتعرض الدولار لضغوط أمام سلة العملات الأجنبية، وهو ما يعزز الطلب العالمي على الذهب باعتباره أصلًا مقومًا بالدولار، ويجعل المنتجات الأميركية أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية، في الوقت الذي تبقى فيه التجارة الدولية معتمدة على العملة الأميركية بنسبة تفوق 80%.

الأحداث السابقة تعطي إشارات قوية لما قد نشهده اليوم. ففي أزمة 2008 هبط مؤشر الدولار من 88 إلى حدود 74–75 بعد سلسلة من التخفيضات وبرامج التيسير الكمي، بينما ارتفع الذهب إلى 1,920 دولارًا للأونصة في قمة تاريخية آنذاك. أما في جائحة كورونا عام 2020، فقد هبط الذهب أولًا إلى 1,450 دولارًا في مارس بسبب موجة بيع واسعة بحثًا عن السيولة، ثم سرعان ما قفز إلى 2,075 دولارًا في أغسطس مع خفض الفائدة وضخ تريليونات الدولارات في الأسواق. والنتيجة كانت واحدة: الدولار يضعف على المدى المتوسط، والذهب يحقق قممًا جديدة.

اليوم، لا يبدو السيناريو مختلفًا كثيرًا، لكن الفارق أن حالة عدم اليقين أكبر، والتدخل السياسي والاقتصادي أعمق، وثقة المستثمرين بالاقتصاد الأميركي تراجعت. ومع استمرار السياسة التوسعية، تبدو الطريق ممهدة أمام الذهب ليواصل موجته الصعودية، وربما يقترب من مستويات 4,000 وباتت المستويات القادمة عند ال 3,735 دولار قريبة جدا ما استمرت الأوضاع على هذا النحو!

الخلاصة أن الذهب، رغم كل تقلباته وسجله الطويل من الصعود والهبوط في أوقات الأزمات، يثبت مرة بعد مرة أنه الأصل الأكثر قدرة على مقاومة الصدمات الاقتصادية والسياسية وحفظ القيمة على المدى الطويل. فالذهب لا يتأثر فقط بالتقلبات اليومية للأسواق المالية، بل يمثل ملاذًا آمنًا يحمي المستثمرين من مخاطر التضخم وانخفاض القوة الشرائية للعملات، خاصة في أوقات عدم اليقين العالمي.

ومع كل خفض جديد للفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي، يزداد جاذبية الذهب كاستثمار استراتيجي، حيث يرفع ذلك من قيمته النسبية مقارنة بالأصول ذات العوائد الثابتة، ويحفز المستثمرين على تحويل جزء من محافظهم إليه للحفاظ على رأس المال. وفي زمن يغلب عليه ضبابية السياسات الاقتصادية وتضارب البيانات المالية وتقلبات الأسواق العالمية، يظل الذهب الخيار المفضل لأولئك الباحثين عن استقرار نسبي وسط هذه الاضطرابات، مؤكدًا أنه ليس مجرد معدن ثمين، بل أداة قوية للتحوط وحماية الثروات في جميع الظروف.

فهل سيتمكن الذهب قريبًا من كسر حاجز 3,735 دولارًا للأونصة؟